" صفحة رقم ٢٠٥ "
( ليسوا بشيء ) أي ليسوا بشيء معتدّ به فيما يقصدهم الناس لأجله، وقال عباس بن مرداس :
وقد كنت في الحرب ذا تدراء
فلم أعط شيئاً ولم أمنع
وتقدم عند قوله تعالى :( لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل ( في سورة العقود، إذ ليس المعنى على إنكار أن يكونوا عبدوا شيئاً لمنافاته لقولهم :( ضَلُّوا عَنَّا ( المقتضي الاعترافَ الضمني بعبادتهم.
وفسر كثير من المفسرين قولهم :( بَل لَّمْ نَكُن ندْعُوا من قَبْلُ شيئاً ( أنه إنكار لعبادة الأصنام بعد الاعتراف بها لاضطرابهم من الرعب فيكون من نحو قوله تعالى :( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ( ( الأنعام : ٢٣ ). ويجوز أن يكون لهم في ذلك الموقف مقالان، وهذا كله قبل أن يحشروا في النار هم وأصنامهم فإنهم يكونون متماثلين حينئذٍ كما قال تعالى :( إنكم وما تعبدون من دون اللَّه حصب جهنم ).
وجملة ) كَذالِكَ يُضِلُّ الله الكافِرِينَ ( تذييل معترض بين أجزاء القول الذي يقال لهم. ومعنى الإِشارة تعجيب من ضلالهم، أي مثل ضلالهم ذلك يُضل الله الكافرين. والمراد بالكافرين : عموم الكافرين، فليس هذا من الإِظهار في مقام الإِضمار. والتشبيه في قوله :( كَذالِكَ يُضِلُّ الله الكافِرِينَ ( يُفيد تشبيه إضلال جميع الكافرين بإضلاله هؤلاء الذين يجادلون في آيات الله، فتكون جملة ) كَذالِكَ يُضِلُّ الله الكافِرِينَ ( تذييلاً، أي مثل إضلال الذين يجادلون في آيات الله يُضل الله جميع الكافرين، فيكون إضلال هؤلاء الذين يجادلون مشبهاً به إضلال الكافرين كلهم، والتشبيه كناية عن كون إضلال الذين يجادلون في آيات الله بلغ قوة نوعه بحيث ينظّر به كل ما خفي من أصناف الضلال، وهو كناية عن كون مجادلة هؤلاء في آيات الله أشدُّ الكفر.
والتشبيه جار على أصله وهو إلحاق ناقص بكامل في وصف ولا يكون من قبيل


الصفحة التالية
Icon