" صفحة رقم ٢١٦ "
تَأْكُلُونَ ( مثل الانتفاع بأوبارها وألبانها وأثمانها وأعواضِها في الديَات والمهور، وكذلك الانتفاع بجلودها باتخاذها قباباً وغيرَها وبالجلوس عليها، وكذلك الانتفاع بجَمال مرآها في العيون في المسرح والمراح، والمنافع شاملة للركوب الذي في قوله :( لِتَركبوا مِنهَا (، فذكر المنافع بعد ) لِتَركبوا منها ( تعميم بعد تخصيص كقوله تعالى :( ولي فيها مئارب أخرى ( ( طه : ١٨ ) بعد قوله :( هي عصاي أتوكؤ عليها ( ( طه : ١٨ )، فذُكر هنا الشائع المطروق عندهم ثم ذكر مثيله في الشيوع وهو الأكل منها، ثم عاد إلى عموم المنافع، ثم خص من المنافع الأسفار، فإن اشتداد الحاجة إلى الأنعام فيها تجعل الانتفاع بركوبها للسفر في محل الاهتمام. ولما كانت المنافع ليست منحصرة في أجزاء الأنعام جيء في متعلقها بحرف ( في ) دون ( مِن ) لأن ( في ) للظرفية المجازية بقرينة السياق فتشمل كل ما يُعدّ كالشيء المحوي في الأنعام، كقول سَبْرَةَ بن عَمْرو الفقعسي من شعراء الحماسة يذكر ما أخذه من الإبل في ديةِ قريبٍ :
نحابي بها أكفاءَنا ونُهينُها
وَنَشْرَب في أثمانها ونُقامر
وأنبأ فعل ) لِتَبْلغوا ( أن الحاجة التي في الصدور حاجة في مكان بعيد يطلبها صاحبها. والحاجة : النية والعزيمة.
والصدور أطلق على العقول اتباعاً للمتعارف الشائع كما يطلق القلوب على العقول.
وأعقب الامتنان بالأنعام بالامتنان بالفلك لمناسبة قوله :( ولِتَبلُغُوا عَلَيها حَاجَةً في صُدُورِكُم ( فقال :( وَعَلَيهَا وَعَلَى الفُلْككِ تُحمَلُونَ (، وهو انتقال من الامتنان بجعل الأنعام، إلى الامتنان بنعمة الركوب في الفلك في البحار والأنهار فالمقصود هو قوله :( وعَلَى الفُلْككِ تُحْمَلُونَ ). وأما قوله :( وعليها ( فهو تمهيد له وهو اعتراض بالواو الاعتراضية تكريراً للمنّة، على أنه قد يشمل حمل الأثقال على الإِبل كقوله تعالى :( وتحمل أثقالكم ( ( النحل : ٧ ) فيكون إسناد الحمل إلى ضمير الناس تغليباً.


الصفحة التالية
Icon