" صفحة رقم ٢٣٤ "
وجعلت القلوب في أكنة لإِفادة حرف ) في ( معنى إحاطة الظرف بالمظروف. وكذلك جعل الوَقر في القلوب لإِفادة تغلغله في إدراكهم.
و ( مِن ) في قوله :( مِمَّا تَدْعُونَا إلَيْهِ ( بمعنى ( عن ) مثل قوله تعالى :( فويل للقاسية قلوبهم من ذكر اللَّه ( ( الزمر : ٢٢ ) وقوله :( قد كنا في غفلة من هذا ( ( الأنبياء : ٩٧ )، والمعنى : قلوبنا في أكنة فهي بعيدة عما تدعونا إليه لا ينفذ إليها.
والوَقر بفتح الواو : ثقل السمع وهو الصمم، وكأنَّ اللغة أخذته من الوِقر بكسر الواو، وهو الحِمل لأنه يثقل الدَّابة عن التحرك، فأطلقوه على عدم تحرك السمع عند قرع الصوت المسموع، وشاع ذلك حتى ساوى الحقيقة ففتحوا له الواو تفرقة بين الحقيقة والمجاز، كما فرقوا بين العَضّ الحقيقي وعظِّ الدهر بأن صيروا ضادهُ ظاء. وقد تقدم ذكر الأكنة والوقر في قوله :( وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً ( في الأنعام وفي سورة الإِسراء.
والحجاب : الساتر للمرئيّ من حائط أو ثوب. أطلقوا اسم الحجاب على ما يمنع نفوسهم أن يأخذوا بالدين الذي جاء به النبي ( ﷺ ) من كراهية دينه وتجافي تقلده بجامععِ أن الحجاب يحول بين الرائي والمَرْئِيّ فلا ينظر أحدهما الآخر ولا يصل إليه، ومرادهم البراءة منه. مثل نبوّ قلوبهم عن تقبُّل الإسلام واعتقاده بحال ما هو في أكنّة، وعدمَ تأثر أسماعهم بدعوته بصَم الآذان، وعدمَ التقارب بين ما هم عليه وما هو عليه بالحجاب الممدود بينه وبينهم فلا تلاقيَ ولا ترائيَ.
وقد جمعوا بين الحالات الثلاث في التمثيل للمبالغة في أنهم لا يقبلون ما يدعوهم إليه. واجتلابُ حرف ) مِن ( في قوله :( وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِك حِجَابٌ ( لتقوية معنى الحجاب بين الطرفين وتمكن لازمه الذي هو بُعد المسافة التي بين الطرفين لأن ) مِن ( هذه زائدة لتأكيد مضمون الجملة.


الصفحة التالية
Icon