" صفحة رقم ٢٤٧ "
مراد لأن السماء والأرض لا يتصور أن يأتيا، ولا يتصور منهما طواعية أو كراهية إذ ليستا من أهل العقول والإدراكات، ولا يتصور أن الله يكرههما على ذلك لأنه يقتضي خروجهما عن قدرته بادىء ذي بدء تعينّ الصرف عن المعنى الحقيقي وذلك بأحد وجهين لهما من البلاغة المكانة العليا :
الوجه الأول : أن يكون الإِتيان مستعاراً لقبول التكوين كما استعير للعصيان الإِدبارُ في قوله تعالى :( ثم أدبر يسعى ( ( النازعات : ٢٢ )، وقول النبي ( ﷺ ) لمسيلمة حين امتنع من الإِيمان والطاعة في وفد قومه بني حنيفة ( لئن أدبرت ليعقرنك اللَّه )، وكما يستعار النفور والفرار للعصيان. فمعنى ) ائتيا ( امتثلا أمر التكوين. وهذا الامتثال مستعار للقبول وهو من بناء المجاز على المجاز وله مكانة في البلاغة، والقول على هذا الوجه مستعار لتعلق القدرة بالمقدور كما في قوله :( أن يقول له كن فيكون ( ( يس : ٨٢ ).
وقوله :( طَوْعاً أوْ كَرْهاً ( كناية عن عدم البدّ من قبول الأمر وهو تمثيل لتمكن القدرة من إيجادهما على وفق إرادة الله تعالى فكلمة ) طَوْعاً أو كَرْهاً ( جارية مجرى الامثال. و ) طَوْعاً أوْ كَرْهاً ( مصدران وقعا حالين من ضمير ) ائتنا ( أي طائعين أو كارهيْن.
والوجه الثاني : أن تكون جملة ) فَقَالَ لَهَا ولِلأرْضِ ائتنا طَوْعاً أوْ كَرْهاً ( مستعملة تمثيلاً لهيئة تعلق قدرة الله تعالى لتكوين السماء والأرض لعظَمة خلْقهما بهيئة صدور الأمر من آمر مُطاع للعبد المأذون بالحضور لعمل شاق أن يقول له : ائت لهذا العمل طوعاً أو كرهاً، لتوقع إبائهِ من الإِقدام على ذلك العمل، وهذا من دون مراعاة مشابهة أجزاء الهيئة المركبة المشبَّهة لأجزاء الهيئة المشبه بها، فلا قول ولا مقول، وإنما هو تمثيل، ويكون ) طَوْعاً أوْ كَرْهاً ( على هذا من تمام الهيئة المشبه بها وليس له مقابل في الهيئة المشبهة. والمقصود على كلا الاعتبارين تصوير عظمة القدرة الإِلهية ونفوذها في المقدورات دَقَّت أو جلَّت.


الصفحة التالية
Icon