" صفحة رقم ٢٥٤ "
في الحكاية عن الشيطان تمثيل الحرص مع التلهف تحذيراً منه وإثارة لبُغضه في نفوس الناس. و ) أَلاَّ تعبدوا إلا الله ( تفسير لِجملة ) جَآءَتهُمُ الرُّسُلُ ( لتضمن المجيء معنى الإبلاغ بقرينة كون فاعل المجيء متصفاً بأنهم رسُل، فتكون ( أَنْ ) تفسيرية ل ) جاءتهم ( بهذا التأويل كقول الشاعر :
إِنْ تحمِلا حاجة لي خفٌ مَحْمَلُها
تَسْتَوْجبَا مِنةً عندي بها ويَدا
أَنْ تَقرَآننِ على أسماءَ ويحكما
مني السَّلام وأن لا تُشعرا أحدا
إذ فسر الحاجة بأن يقرأ السلام على أسماء لأنه أراد بالحاجة الرسالة، وهذا جري على رأي الزمخشري والمحققين من عدم اشتراط تقدم جملة فيها معنى القول دون حروفه بل الاكتفاء بتقدم ما أريد به معنى القول ولو لم يكن جملة خلافاً لما أطال به صاحب ( مغني اللبيب ) من أبحاث لا يرضاها الأريب، أو لما يتضمنه عنوان ) الرسل ( من إبلاغ رسالة.
حكاية جواب عاد وثمود لرسولَيْهم فقد كان جواباً متماثلاً لأنه ناشىء عن تفكير متماثل وهو أن تفكير الأذهان القاصرة من شأنه أن يبنَى على تصورات وهمية وأقيسة تخييلية وسفسطائية، فإنهم يتصورون صفات الله تعالى وَأفعاله على غير كنهها ويقيسونها على أحوال المخلوقات، ولذلك يتماثل في هذا حالُ أهل الجهالة كما قال تعالى :( كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون ( ( الذاريات : ٥٢، ٥٣ )، أي بل هم متماثلون في الطغيان، أي الكفر الشديد فتملي عليهم أوهامهم قضايا متماثلة.
ولكون جوابهم جَرَى في سياق المحاورة أتتْ حكاية قولهم غير معطوفة بأسلوب المقاولة، كما تقدم قوله تعالى :( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض


الصفحة التالية
Icon