" صفحة رقم ٢٥٥ "
خليفة ( ( البقرة : ٣٠ ) فإن قول الرسل لهم : لا تعبدوا إلا الله قد حكي بفعل فيه دلالة على القول، وهو فعل ) جاءتهم ( كما تقدم آنفاً.
فقولهم :( لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأَنْزَلَ مَلائِكَةً ( يتضمن إبطال رسالة البشر عن الله تعالى. ومفعول ) شاء ( محذوف دل عليه السياق، أي لو شاء ربنا أن يرسل إلينا لأنزل ملائكة من السماء مرسَلين إلينا، وهذا حذف خاص هو غير حذف مفعول فعل المشيئة الشائع في الكلام لأن ذلك فيما إذا كان المحذوف مدلولاً عليه بجواب ) لوْ ( كقوله تعالى :( فلو شاء لهداكم أجمعين ( ( الأنعام : ١٤٩ )، ونكتته الإِبهام ثم البيان، وأما الحذف في الآية فهو للاعتماد على قرينة السياق والإيجاز وهو حذف عزيز لمفعول فعل المشيئة، ونظيره قول المعري :
وإنْ شئتَ فازعُم أَنَّ مَن فوقَ ظهرها
عَبيدُكَ واستَشْهِدْ إلهَكَ يَشْهَدِ
وتضمن كلامهم قياساً استثنائياً تركيبه : لو شاء ربنا أن يرسل رسولاً لأرسل ملائكة ينزلهم من السماء لكنه لم ينزل إلينا ملائكة فهو لم يشأ أن يرسل إلينا رسولاً. وهذا إيماء إلى تكذيبهم الرسل ولهذا فرعوا عليه قولهم :( فَإنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بهِ كافِرُونَ ( أي جاحدون رسالتكم وهو أيضاً كناية عن التكذيب.
( ١٥، ١٦ )
بعد أن حُكي عن عاد وثمود ما اشترك فيه الأمتان من الكابرة والإصرار على الكفر فصّل هنا بعض ما اختصت به كل أمة منهما من صورة الكفر، وذكر من ذلك ما له مناسبة لما حلّ بكل أمة منهما من العذاب.


الصفحة التالية
Icon