" صفحة رقم ٢٥٦ "
والفاء تفريع على جملة ) قَالُوا لَو شَاءَ رَبُّنَا لأَنْزَلَ مَلائكَةً ( ( فصلت : ١٤ ) المقتضية أنهم رفضوا دعوَة رسوليهم ولم يقبلوا إرشادهما واستدلالهما.
و ) أَمَّا ( حرف شرط وتفصيل، وقد تقدم الكلام عليها عند قوله تعالى :( فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم ( في سورة البقرة. والمعنى : فأما عاد فمنعهم من قبول الهدى استكبارهم.
والاستكبار : المبالغة في الكبر، أي التعاظم واحتقار الناس، فالسين والتاء فيه للمبالغة مثل : استجاب، والتعريف في ) الأرْض ( للعهد، أي أرضهم المعهودة. وإنما ذُكر من مساويهم الاستكبار لأن تكبرهم هو الذين صرفهم عن اتباع رسولهم وعن توقع عقاب الله.
وقوله :( بِغَيْرِ الحَقِّ ( زيادة تشنيع لاستكبارهم، فإن الاستكبار لا يكون بحق إذ لا مبرر للكبر بوجه من الوجوه لأن جميع الأمور المغريات بالكبر من العلم والمال والسلطان والقوة وغير ذلك لا تُبلغ الإِنسان مبلغ الخلوّ عن النقص وليس للضعيف الناقص حق في الكبر ولذلك كان الكبر من خصائص الله تعالى. وهم قد اغترُّوا بقوة أجسامهم وعزة أمتهم وادعوا أنهم لا يغلبهم أحد، وهو معنى قولهم :( مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَةً ( فقولهم ذلك هو سبب استكبارهم لأنه أورثهم الاستخفاف بمن عداهم، فلما جاءهم هود بإنكار ما هم عليه من الشرك والطغيان عظم عليهم ذلك لأنهم اعتادوا العجب بأنفسهم وأحوالهم فكذبوا رسولهم.
فلما كان اغترارهم بقوتهم هو باعثَهم على الكفر وكان قولهم :( مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَةً ( دليلاً عليه خصّ بالذكر. وإنما عطف بالواو مع أنه كالبيان لقوله :( فَاسْتَكْبَرُوا في الأرْضضِ بِغَيْرِ الحَقِّ ( إشارة إلى استقلاله بكونه مُوجب الإِنكار عليهم، لأن قولهم ذلك هو بمفرده منكر من القول فذُكر بالعطف على فعل ( استكبروا ) لأن شأن العطف أن يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، ويعلم أنه باعثهم على الاستكبار بالسياق.


الصفحة التالية
Icon