" صفحة رقم ٢٧٢ "
وأتبع اسم الإِشارة بالبدل بقوله :( ظَنُّكُم ( لزيادة بيانه ليتمكن ما يعقبه من الخبر، والخبر هو فعل ) أَردَاكُم ( وما تفرع عليه.
و ) الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُم ( صفة ل ) ظَنُّكُمُ ). والإِتيان بالموصول لما في الصلة من الإيماء إلى وجه بناء الخبر وهو ) أَرْدَاكُم ( وما تفرع عليه، أي الذي ظننتم بربكم ظناً باطلاً. والعدول عن اسم الله العَلَم إلى ) بِرَبِّكُم ( للتنبيه على ضلاللِ ظنهم، إذ ظنوا خفاء بعض أعمالهم عن علمه مع أنه ربهم وخالقهم فكيف يخلقهم وتخفى عنه أعمالهم، وهو يشير إلى قوله :( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ( ( الملك : ١٤ )، ففي وصف ) بِرَبِّكُم ( إيماء إلى هذا المعنى.
والإِرداء : الإِهلاك، يقال : رَدِيَ كرضِي، إذا هلَك، أي مات، والإِرداء مستعار للإِيقاع في سوء الحالة بحيث أصارهم مثل الأموات فإن ذلك أقصى ما هو متعارف بين الناس في سوء الحالة وفي الإِتيان بالمسند فعلاً إفادة قصرٍ، أي ما أرداكم إلا ظنكم ذلك، وهو قصر إضافي، أي لم تُردِكم شهادة جوارحكم حتى تلوموها بل أرداكم ظنكم أن الله لا يعلم أعمالكم فلم تحذروا عقابه.
وقوله :( فَأَصبحتم مِنَ الخاسِرِينَ ( تمثيل لحالهم إذ يحسبون أنهم وصلوا إلى معرفة ما يحق أن يعرفوه من شؤون الله ووثقوا من تحصيل سعادتهم، وهم ما عرفوا الله حق معرفته فعاملوا الله بما لا يرضاه فاستحقوا العذاب من حيث ظنوا النجاة، فشبه حالهم بحال التاجر الذي استعدّ للربح فوقع في الخسارة.
والمعنى : أنه نُعي عليهم سوء استدلالهم وفساد قياسهم في الأمور الإِلهية، وقياسُهم الغائبَ على الشاهد، تلك الأصولُ التي استدرجتهم في الضلالة فأحالوا رسالة البشر عن الله ونفوا البعث، ثم أثبتوا شركاء لله في الإِلهية، وتفرع لهم من ذلك كله قطع نظرهم عما وراء الحياة الدنيا وأمنهم من التبعات في الحياة الدنيا، فذلك جماع قوله تعالى :( وَذالِكُم ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بربِّكم أرْداكُم فأصْبَحْتُم مِنَ الخاسِرِينَ ).


الصفحة التالية
Icon