" صفحة رقم ٢٧٤ "
وفي المَثل ( مَا مُسيء من أعْتَبَ ) أي من رجع عمَّا أساء به فكأنه لم يسىء. وقلما استعملوا المصدر الأصلي بمعنى الرجوع استغناء عنه باسم المصدر وهو العتبى. والعاتب هو اللائم، والسين والتاء فيه للطلب لأن المرء لا يسأل أحداً أن يعاتبه وإنما يسأله ترك المعاتبة، أي يسأله الصفح عنه فإذا قبل منه ذلك قيل : أَعْتبه أيضاً، وهذا من غريب تصاريف هذه المادة في اللغة ولهذا كادوا أن يميتوا مصدر : أعتب بمعنى رجَع وأبقوه في معنى قَبِل العُتَبى، وهو المراد في قوله تعالى :( فَمَا هُم مِنَ المُعتَبِينَ ( أي أن الله لا يُعتبهم، أي لا يقبل منهم.
عطف على جملة ) ويَوْمَ نَحْشُر أَعْدَاءَ الله ( فصلت : ١٩ )، وذلك أنه حُكي قولهم المقتضي إعراضهم عن التدبر في دعوة الإيمان ثم ذكر كفرهم بخالق الأكوان بقوله قُل أينكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ( فصلت : ٩ ) ثم ذكر مصيرهم في الآخرة بقوله ويوم نحشر أعداء الله ثم عقب ذلك بذكر سبب ضلالهم الذي نشأتْ عنه أحوالهم بقوله : وَقَيَّضنا لَهُم قُرَنَاءَ ). وتخلل بين ما هنالك وما هنا أفانين من المواعظ والدلائل والمنن والتعاليم والقوارع والإيقاظ.
وَقَيَّض : أَتاح وهيَّأ شيئاً للعمل في شيء. والقرناء جَمْعُ : قرين، وهو الصاحب الملازم، والقرناء هنا : هم الملازمون لهم في الضلالة : إمَّا في الظاهر مثلُ دعاة الكفر وأيمتِه، وإما في باطن النفُوس مثلُ شياطين الوسواس الذين قال الله فيهم :( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين ( ويأتي في سورة الزخرف. ومعنى تقييضهم لهم : تَقديرهم لهم، أي خَلْق المناسبات التي يتسبب عليها


الصفحة التالية
Icon