" صفحة رقم ٢٨٢ "
بطريق التعريض، ثم أنذروا بالتصريح بما سيحلّ بهم في الآخرة، ووصف بعض أهواله، تشَوَّفَ السامعُ إلى معرفة حظ المؤمنين ووصففِ حالهم فجاء قوله :( إنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا الله ( الخ، بياناً للمترقب وبشرى للمتطلب، فالجملة استئناف بياني ناشىء عما تقدم من قوله :( ويَوْمَ نَحْشُرُ أعدَاءَ الله إلَى النَّارِ ( ( فصلت : ١٩ ) إلى قوله :( مِنَ الأَسْفَلِينَ ( ( فصلت : ٢٩ ).
وافتتاح الجملة بحرف التوكيد منظور فيه إلى إنكار المشركين ذلك، ففي توكيد الخبر زيادة قمع لهم. ومعنى ) قالوا ربُّنا الله ( أنهم صدعوا بذلك ولم يخشَوا أحداً بإعلانهم التوحيد، فقولُهم تصريح بما في اعتقادهم لأن المراد بهم قالوا ذلك عن اعتقاد، فإن الأصل في الكلام الصدق وهو مطابقة الخبر الواقع وما في الوجود الخارجي.
وقوله :( رَبُّنَا الله ( يفيد الحصر بتعريف المسند إليه والمسند، أي لا ربّ لنا إلا الله، وذلك جامع لأصل الاعتقادِ الحق لأن الإِقرار بالتوحيد يزيل المانع من تصديق الرسول ( ﷺ ) فيما جاء به إذ لم يصُدَّ المشركين عن الإِيمان بما جاء به النبي ( ﷺ ) إلا أنه أمرهم بنبذ عبادة غير الله، ولأن التكذيب بالبعث تلقوه من دعاة الشرك.
والاستقامة حقيقتها : عدم الاعوجاج والميللِ، والسين والتاء فيها للمبالغة في التقوّم، فحقيقة استقام : استقَل غير مائل ولا منحن. وتطلق الاستقامة بوجه الاستعارة على ما يجمع معنى حسن العمل والسيرة على الحق والصدق قال تعالى :( فاسْتَقِيموا إليه واستَغْفروه ( ( فصلت : ٦ ) وقال :( فاستقم كما أمرت ( ( هود : ١١٢ )، ويقال : استقامت البلاد للملك، أي أطاعت، ومنه قوله تعالى :( فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ( ( التوبة : ٧ ). ف ) استَقامُوا ( هنا يشمل معنى الوفاء بما كلفوا به وأول ما يشمل من ذلك أن يثبتوا على أصل التوحيد، أي لا يغيروا ولا يرجعوا عنه.
ومن معنى هذه الآية ما روي في ( صحيح مسلم ) عن سفيان الثقفي قال :


الصفحة التالية
Icon