" صفحة رقم ٢٨٣ "
قلتُ : يا رسول الله قُل لي في الإِسلام قولاً لا أسألُ عنه أحداً غيرَك. قال :( قُل آمنت بالله ثم استقِمْ ). وعن أبي بكر ) ثُمَّ استَقامُوا ( : لم يشركوا بالله شيئاً. وعن عمر : استقاموا على الطريقة لطاعته ثم لم يروغوا روغان الثعَالب. وقال عثمان : ثم أخلَصوا العمل لله. وعن علي : ثم أدّوا الفرائض. فقد تولى تفسير هذه الآية الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم. وكل هذه الأقوال ترجع إلى معنى الاستقامة في الإِيمان وآثاره، وعناية هؤلاء الأربعة أقطاب الإسلام ببيان الاستقامة مُشير إلى أهميتها في الدين.
وتعريب المسند إليه بالموصولية دون أن يقال : إن المؤمنين ونحوه لما في الصلة من الإِيماء إلى أنها سبب ثبوت المسند للمسند إليه فيفيد أن تنزل الملائكة عليهم بتلك الكَرامة مسبَّب على قولهم :( رَبُّنَا الله ( واستقامتهم فإن الإعتقاد الحق والإِقبال على العمل الصالح هما سبب الفوز.
و ) ثُم ( للتراخي الرتبي لأن الاستقامة زائدة في المرتبة على الإِقرار بالتوحيد لأنها تشمله وتشمل الثبات عليه والعملَ بما يستدعيه، ولأن الاستقامة دليل على أن قولهم :( رَبُّنَا الله ( كان قولاً منبعثاً عن اعتقاد الضمير والمعرفة الحقيقية.
وجَمَع قولُه :( قَالُوا رَبُّنا الله ثُمَّ استَقامُوا ( أَصْلَي الكمال الإسلامي، فقوله :( قالُوا رَبُّنَا الله ( مشير إلى الكمال النفساني وهو معرفة الحق للاهتداء به، ومعرفة الخير لأجل العمل به، فالكمال علم يقيني وعمل صالح، فمعرفة الله بالإِلهية هي أساس العلم اليقيني. وأشار قوله :( استَقامُوا ( إلى أساس الأعمال الصالحة وهو الاستقامة على الحق، أي أن يكون وسطاً غير مائل إلى طرفَي الإِفراط والتفريط قال تعالى :( اهدنا الصراط المستقيم ( ( الفاتحة : ٦ ) وقال :( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ( ( البقرة : ١٤٣ ) على أن كمال الإعتقاد راجع إلى الاستقامة، فالاعتقاد الحق أن لا يتوغل في جانب النفي إلى حيث ينتهي إلى التعطيل، ولا يتوغل في جانب الإِثبات إلى حيث ينتهي إلى التّشبيه والتمثيل بل يمشي على الخط المستقيم الفاصل بين التشبيه والتعطيل،


الصفحة التالية
Icon