" صفحة رقم ٢٩١ "
فكان مقتضى الظاهر أن يقال : ولا تستوي الحسنة والسيئة، دون إعادة ) لا ( النافية بعد الواو الثانية كما قال تعالى :( وما يستوي الأعمى والبصير ( ( غافر : ٥٨ )، فإعادة ) لا ( النافية تأكيد لأختها السابقة. وأحسن من اعتبار التأكيد أن يكون في الكلام إيجاز حذف مؤذن باحتباك في الكلام، تقديره : وما تسْتوي الحسنة والسيئةُ ولا السيئة والحسنة. فالمراد بالأول نفي أن تلتحق فضائل الحسنة مساوىء السيئة، والمراد بالثاني نفي أن تلتحق السيئة بشرف الحسنة. وذلك هو الاستواء في الخصائص، وفي ذلك تأكيد وتقوية لنفي المساواة ليدل على أنه نفي تام بين الجنسين : جنسسِ الحسنة وجنس السيئة لا مبالغة فيه ولا مجازَ، وقد تقدم الكلام على نظيره في سورة فاطر.
وفي التعبير بالحسنة والسيئة دون المُحسن والمسيء إشارة إلى أن كل فريق من هذين قد بلغ الغاية في جنس وصفه من إحسان وإساءة على طريقة الوصف بالمصدر، وليتأتى الانتقال إلى موعظة تهذيب الأخلاق في قوله :( ادْفَع بالتي هي أحسن (، فيشبه أن يكون إيثارُ نفي المساواة بين الحسنة والسيئة توطئةً للانتقال إلى قوله :( ادْفَعَ بالتي هي أحسن ).
وقوله :( ادْفَعَ بالتي هي أحسن ( يجري موقعُه على الوجهين المتقدمين في عطف جملة ) ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ).
فالجملة على الوجه الأول من وجهي موقع جملة ) ولاَ تَسْتَوي الحسنة ولا السيئة ( تخلص من غرض تفضيل الحسنة على السيئة إلى الأمر بخُلق الدفع بالتي هي أحسن لمناسبةِ أَن ذلك الدفع من آثار تفضيل الحسنة على السيئة إرشاداً من الله لرسوله وأمته بالتخلق بخلق الدفع بالحسنى. وهي على الوجه الثاني من وجهيْ موقع جملة ) ولاَ تَسْتَوي الحسنة ولا السيئة ( واقعة موقع النتيجة من الدليل والمقصدِ من المقدمة، فمضمونها ناشىء عن مضمون التي قبلها.
وكلا الاعتبارين في الجملة الأولى مقتض أن تكون جملة ) ادفَع بالتي هي أحْسَن ( مفصولة غير معطوفة.


الصفحة التالية
Icon