" صفحة رقم ٣١٢ "
) حم تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمان الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ ءاياتُهُ قُرءَاناً عَرَبِياً ( إلى قوله ) فهم لا يسمعون ( ( فصلت : ١ ٤ ) فهذا تحدَ لهم ووصف للقرآن بصفة الإِعجاز.
ثم أخذَ في إبطال معاذيرهم ومطاعنهم بقوله :( وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ( ( فصلت : ٥ )، فإن قولهم ذلك قصدوا به أن حجة القرآن غير مقنعة لهم إغاظة منهم للنبيء ( ﷺ ) ثم تَمالُئهم على الأعراض بقوله :( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ( ( فصلت : ٢٦ ) وهو عجز مكشوف بقوله :( إن الذين يلحدون في ءاياتنا لا يَخْفَون علينا ( ( فصلت : ٤٠ ) وبقوله :( إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم ( ( فصلت : ٤١ ) الآيات. فأعقبها بأوصاف كمال القرآن التي لا يجدون مطعناً فيها بقوله :( وإنه لكتاب عزيز ( فصلت : ٤١ ) الآية.
وإذ قد كانت هذه المجادلات في أول السورة إلى هنا إبطالاً لتعللاتهم، وكان عماده على أن القرآن عربي مفصَّل الدلالةِ المعروفةِ في لغتهم حسبما ابتدىء الكلام بقوله : كِتابٌ فُصِّلَتْ ءاياتُهُ قُرءاناً عربياً لِقَوْممٍ يَعْلَمُونَ ( ( فصلت : ٣ ) وانْتُهي هنا بقوله :( وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ( ( فصلت : ٤١، ٤٢ )، فقد نهضت الحجة عليهم بدلالته على صدق الرسول ( ﷺ ) من هذه الجهة فانتقل إلى حجة أخرى عمادها الفرضُ والتقديرُ أن يكون قد جاءهم الرسول ( ﷺ ) بقرآن من لغة أخرى غير لغة العرب.
ولذلك فجملة :( ولو جعلناه قرءاناً أعجمياً ( معطوفة على جملة :( وإنه لكتاب عزيز ( فصلت : ٤١ ) على الاعتبارين المتقدمين آنفاً في موقع تلك الجملة.
ومعنى الآية متفرع على ما يتضمنه قوله : كِتاب فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْءاناً عربياً لِقَوم يعلمون ( فصلت : ٣ ) وقوله : قل إنما أنا بشر مثلكم يوحَى إلي ( ( الكهف : ١١٠ ) من التحدِّي بصفة الأمية كما علمت آنفاً، أي لو جئناهم بلون آخر من معجزة الأمية فأنزلنا على الرسول قُرآناً أعجمياً، وليس للرسول ( ﷺ ) علم بتلك اللغة من قبل، لقلبوا معاذيرهم فقالوا : لولا بُينت آياتُه بلغة نفهمها وكيف يخاطِبنا بكلام أعجمي. فالكلام جار على طريقة الفرض كما هو مقتضى حرف ) لو ( الامتناعية. وهذا إبانة على أن هؤلاء القوم لا تجدي معهم الحجة ولا ينقطعون عن المعاذير لأن جدالهم لا يريدون به تطلب الحق وما هو إلا تعنت لترويج هواهم.