" صفحة رقم ٣١٣ "
ومن هذا النوع في الاحتجاج قوله تعالى :( ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين ( ( الشعراء : ١٩٨، ١٩٩ )، أي لو نزلناه بلغة العرب على بعض الأعجمين فقرأه عليهم بالعربية، لاشتراك الحجتين في صفة الأمية في اللغة المفروضضِ إنزالُ الكتاب بها، إلا أن تلك الآية بينت على فرض أن ينزل هذا القرآن على رسوللٍ لا يعرف العربية، وهذه الآية بنيت على فرض أن ينزل القرآن على الرسول العربي ( ﷺ ) بلغة غير العربية. وفي هذه الآية إشارة إلى عموم رسالة محمد ( ﷺ ) للعرب والعجم فلم يكن عجباً أن يكون الكتاب المنزل عليه بلغة غير العرب لولا أن في إنزاله بالعربية حكمةً علمها الله، فإن الله لما اصطفى الرسول ( ﷺ ) عربياً وبعثه بين أمة عربية كان أحقُّ اللغات بأن ينزل بها كتابه إليه العربية، إذ لو نزل كتابه بغير العربية لاستوت لغات الأمم كلها في استحقاق نزول الكتاب بها فأوقع ذلك تحاسداً بينها لأن بينهم من سوابق الحوادث في التاريخ ما يثير الغيرة والتحاسد بينهم بخلاف العرب إذ كانوا في عزلة عن بقية الأمم، فلا جرم رُجحت العربية لأنها لغة الرسول ( ﷺ ) ولغة القوم المرسل بينهم فلا يستقيم أن يبقى القوم الذين يدعوهم لا يفقهون الكتاب المنزل إليهم..
ولو تعددت الكتب بعدد اللغات لفاتت معجزة البلاغة الخاصة بالعربية لأن العربية أشرف اللغات وأعلاها خصائص وفصاحة وحسنَ أداء للمعاني الكثيرة بالألفاظ الوجيزة. ثم العرب هم الذين يتولون نشر هذا الدين بين الأمم وتبيين معاني القرآن لهم. ووقع في ( تفسير الطبري ) عن سعيد بن جبير أنه قال : قالت قريش : لولا أنزل هذا القرآن أعجمياً وعربياً ؟ فأنزل الله :( لَوْلاَ فُصِّلَتْ ءَاياتُهُ أعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ( بهمزة واحدة على غير مذهب الاستفهام ا هـ. ولا أحسب هذا إلا تأويلاً لسعيد بن جبير لأنه لم يسنده إلى راو، ولم يرو عن غيره فرأى أن الآية تنبىء عن جواب كلام صدر عن المشركين المعبر عنهم بضمير ) لَّقَالُوا ). وسياق الآية ولفظها ينبو عن هذا المعنى، وكيف و ) لو ( الامتناعية تمتنع من تحمل هذا التأويل وتدفعه.