" صفحة رقم ٣١٥ "
وحاصل معنى الآية : أنها تؤذن بكلام مقدر داخل في صفات الذِّكْر، وهو أنه بلسان عربي بلغتكم إتماماً لهديكم فلم تؤمنوا به وكفرتم وتعللتم بالتعلّلات الباطلة فلو جعلناه أعجمياً لقلتم : هلا بينت لنا حتى نفهمه.
هذا جواب تضمنه قوله :( ما يُقَالُ لَكَ إلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُللِ مِن قَبْلِكَ ( ( فصلت : ٤٣ )، أي ما يقال من الطعن في القرآن، فجوابه : أن ذلك الذكر أو الكتاب للذين آمنوا هدى وشفاء، أي أن تلك الخصال العظيمة للقرآن حَرَمَهم كُفْرُهم الانتفاع بها وانتفع بها المؤمنون فكان لهم هدياً وشفاء. وهذا ناظر إلى ما حكاه عنهم من قولهم :( قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ( ( فصلت : ٥ )، فهو إلزام لهم بحكم على أنفسهم.
وحقيقة الشفاء : زوال المرض وهو مستعار هنا للبصارة بالحقائق وانكشاف الالتباس من النفس كما يزول المرض عند حصول الشفاء، يقال : شُفيتْ نفسه، إذا زال حَرجه، قال قيس بن زهير :
شَفَيْتُ النفسَ من حَمَللِ بننِ بدر
وسيفي من حُذيفة قد شفاني
ونظيره قولهم : شُفي غليله، وبرد غليله، فإن الكفر كالداء في النفس لأنه يوقع في العذاب ويبعث على السيئات.
وجملة :( وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ( الخ معطوفة على جملة :( هُوَ للذِينَ ءامَنُوا هُدًى ( فهي مستأنفة استئنافاً ابتدائياً، أي وأما الذين لا يؤمنون فلا تتخلل آياته نفوسَهم لأنهم كمن في آذانهم وقر دون سماعه، وهو ما تقدم في حكاية قولهم :( وفي آذاننا وقر ( ( فصلت : ٥ )، ولهذا الاعتبار كان معنى الجملة متعلقاً بأحوال القرآن مع الفريق غير المؤمن من غير تكلف لتقدير جعل الجملة خبراً عن القرآن.