" صفحة رقم ٨٢ "
بأنهم كافرون غير مقصود منه إفادة اتصافهم بالكفر، فتعين أن يكون الخبر غير مستعمل في فائدة الخبر لا بمنطوقه ولا بمفهومه، فإن مفهوم الحصر وهو : أن الذين آمنوا لا يجادلون في آيات الله كذلك أمر معلوم مقرر، فيجوز أن يجعل المراد بالذين كفروا نفس المجادلين في آيات الله وأن المراد بكفرهم كفرهم بوحدانية الله بسبب إشراكهم، فالمعنى : لا عجب في جدالهم بآيات الله فإنهم أتوا بما هو أعظم وهو الإِشراك على طريقة قوله تعالى :( يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا اللَّه جهرة ( ( النساء : ١٥٣ ).
ويجوز أن يجعل المراد بالذين كفروا جميع الكافرين بالله من السابقين والحاضرين، أي ما الجَدل في آيات الله إلا من شأن أهل الكفر والإِشراك، ومجادلة مشركي مكة شعبة من شعب مجادلة كل الكافرين، فيكون استدلالاً بالأعمّ على الخاص، وعلى كلا الوجهين تُرك عطف هذه الجملة على التي قبلها.
والمراد بالمجادلة هنا المجادلة بالباطل بقرينة السياق فمعنى ) في آيات الله ( في صدق آيات الله بقرينة قوله :( تَنزِيل الكِتَاب مِن الله العَزيز العليم ( ( غافر : ٢ ) فتعين تقدير مضاف دل عليه المقام كما دَل قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام :( يجادلنا في قوم لوط ( ( هود : ٧٤ )، على تقدير : في إهلاك قوم لوط، فصيغة المفاعلة للمبالغة في الفعل من جانب واحد لإِفادة التكرر مثل : سافر وعافاه الله، وهم يتلونون في الاختلاق ويعاودون التكذيب والقولَ الزور من نحو قولهم :( أساطير الأولين ( ( الأنعام : ٢٥ )، ) سحر مبين ( ( المائدة : ١١٠ )، ) قول كاهن ( ( الحاقة : ٤٢ )، ) قول شاعر ( ( الحاقة : ٤١ ) لا ينفكون عن ذلك. ومن المجادلة توركهم على الرسول ( ﷺ ) بسؤاله أن يأتيهم بآيات كما يقترحون، نحو قولهم :( لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً ( ( الإسراء : ٩٠ ) الآيات وقولهم :( لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً ( ( الفرقان : ٧ ) الآيات.
وقد كان لتعلق ) في ( الظرفية بالجدال، ولدخوله على نفس الآيات دون أحوالها في قوله :( مَا يُجَادِلُ في آيات الله ( موقعٌ عظيم من البلاغة لأن الظرفية تحْوِي جميعَ أصناف الجدال، وجُعل مجرورُ الحرف نفسَ الآيات دون تعيين نحو صدقِها أو وقوعها أو صنفها، فكان قوله :( في آيات الله ( جامعاً للجدل بأنواعه


الصفحة التالية
Icon