" صفحة رقم ٨٣ "
ولمتعلِّق الجدل باختلاف أحواله والمراد الجدال بالباطل كما دل عليه تنظير حالهم بحال من قال فيهم ) وجادلوا بالباطل ( ( غافر : ٥ ) فإذا أريد الجدال بالحق يقيد فعل الجدال بما يدل عليه.
والمعنى : ما يجادل في آيات الله أنها من عند الله، فإن القرآن تحدّاهم أن يأتوا بمثله فعجزوا، وإنما هو تلفيق وتستر عن عجزهم عن ذلك واعتصام بالمكابرة فمجادلتهم بعدما تقدم من التحدّي دالة على تمكن الكفر منهم وأنهم معاندون وبذلك حصل المقصود من فائدة هذا وإلاّ فكونهم كفاراً معلوم.
وإظهار اسم الجلالة في قوله :( ما يجادل في آيات الله ( دون أن يقول : في آياته، لتفظيع أمرها بالصريح لأن ذكر اسم الجلالة مؤذن بتفظيع جدالهم وكفرهم وللتصريح بزيادة التنويه بالقرآن.
وفُرع قوله :( فَلا يَغرُرك تَقَلُّبهم في البِلادِ ( على مضمون ) ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ( لما علمت من أن مقتضى تلك الجملة أن المجادلين في آيات الله هم أهل الكفر، وذلك من شأنه أن يثير في نفس من يراهم في متعة ونعمة أن يتساءل في نفسه كيف يتركهم الله على ذلك ويظنَّ أنهم أمنوا من عذاب الله، ففرع عليه الجواب ) فلا يغررك تقلبهم في البلاد ( أي إنما هو استدراج ومقدار من حلم الله ورحمته بهم وقتاً مَّا، أو أن معناه نحن نُعلمُ أنهم يجادلون في آياتنا إصراراً على الكفر فلا يوهمْك تقلبهم في البلاد أنا لا نؤاخذهم بذلك.
والغرور : ظن أحد شيئاً حسناً وهو بضده يقال : غَرّك، إذا جعلك تظن السيّىء حسناً. ويكون التغرير بالقول أو بتحسين صورة القبيح.
والتقلب : اختلاف الأحوال، وهو كناية عن تناول محبوب ومرغوب. و ) البلاد ( الأرض، وأريد بها هنا الدنيا كناية عن الحياة.
والمخاطب بالنهي في قوله :( فلا يغررك ( يجوز أن يكون غيرَ معين فيعم كل مَن شأنه أن يغره تقلب الذين كفروا في البلاد، وعلى هذا يكون النهي جارياً على


الصفحة التالية
Icon