" صفحة رقم ٨٧ "
فيجري توجيه الاستفهام هنا على نحو ما جرى من توجيه الخطاب هناك.
والأخذ هنا : الغَلب. والاستفهام ب ) كيف كانَ عقاب ( مستعمل في التعجيب من حالة العقاب وذلك يقتضي أن المخاطب بالاستفهام قد شاهد ذلك الأخذ والعقاب وإنما بني ذلك على مشاهدة آثار ذلك الأخذ في مرور الكثير على ديارهم في الأسفار كما أشار إليه قوله تعالى :( وإنها لبسبيل مقيم ( ( الحجر : ٧٦ ) ونحوه، وفي سماع الأخبار عن نزول العقاب بهم وتوصيفهم، فنزل جميع المخاطبين منزلة من شاهد نزول العذاب بهم، ففي هذا الاستفهام تحقيق وتثبيت لمضمون جملة ) فأخذتهم ).
ويجوز أن يكون في هذا الاستفهام معنى التقرير بناء على أن المقصود بقوله :( كذَّبَت قبلهم قوم نوح ( إلى قوله :( فأخذتهم ( التعريض بتهديد المشركين من قريش بتنبيههم على ما حلّ بالأمم قبلهم لأنهم أمثالهم في الإِشراك والتكذيب فلذلك يكون الاستفهام عمّا حلّ بنظرائهم تقريرياً لهم بذلك.
وحذفت ياء المتكلم من ) عقاب ( تخفيفاً مع دلالة الكسرة عليها.
الواو عاطفة على جملة ) فكيف كان عِقَاب ( ( غافر : ٥ )، أي ومثل ذلك الحَقّ حقت كلمات ربك فالمشار إليه المصدَر المأخوذ من قوله :( حَقَّت كَلِماتُ رَبك ( على نحو ما قرر غير مرة، أولاها عند قوله تعالى :( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ( في سورة البقرة، وهو يفيد أن المشبه بلغ الغاية في وجه الشبه حتى لو أراد أحد أن يشبهه لم يشبهه إلا بنفسه.
ولك أن تجعل المشار إليه الأخْذَ المأخوذ من قوله :( فأخذتهم ( غافر : ٥ )، أي ومثل ذلك الأخذ الذي أخذ الله به قوم نوح والأحزابَ من بعدهم حقت كلمات الله على الذين كفروا، فعلم من تشبيه تحقق كلمات الله على الذين كفروا بذلك