" صفحة رقم ٩٥ "
سأل عن تقبل دعاء الملائكة للمؤمنين فأجيب بأن الأهم أن يسأل عن ضد ذلك، وفي هذا الأسلوب إيماء ورمز إلى أن المهم من هذه الآيات كلها هو موعظة أهل الشرك رجوعاً إلى قوله :( وكذلك حقت كلمات ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار ( غافر : ٦ ) والمراد بالذين كفروا هنا مشركو أهل مكة، فإنهم المقصود بهذه الأخبار كما تقدم آنفاً في قوله : ويستغفرون للذين آمنوا ( ( غافر : ٧ ).
والمعنى : أنهم يناديهم الملائكة تبليغاً عن رب العزة، قال تعالى :( أولئك ينادون من مكان بعيد ( ( فصلت : ٤٤ ) وهو بعد عن مرتبة الجلال، أي ينادون وهم في جهنم كما دل عليه قوله :( فهل إلى خروج من سبيل ( ( غافر : ١١ ).
واللام في ) لَمَقْتُ الله ( لام القسم. والمقت : شدة البغض. و ) إذْ تُدْعَون ( ظرف ل ) مَقتكم أنفسكم ).
و ) إذ ( ظرف للزمن الماضي، أي حينَ كنتم تدعون إلى الإيمان على لسان الرسول ( ﷺ ) وذلك في الدنيا بقرينة ) تُدعون ( وجيء بالمضارع في ) تُدعَون ( و ) تَكفرون ( للدلالة على تكرر دعوتهم إلى الإِيمان وتكرر كفرهم، أي تجدده.
ومعنى : مقتهم أنفسهم حينئذٍ أنهم فعلوا لأنفسهم ما يُشبه المقت إذ حرموها من فضيلة الإِيمان ومحاسن شرائعه ورضُوا لأنفسهم دين الكفر بعد أن أوقظوا على ما فيه من ضلال ومَغِبَّة سوءٍ، فكان فعلهم ذلك شبيهاً بفعل المرء لبغيضه من الضر والكيد، وهذا كما يقال : فلان عدو نفسه. وفي حديث سعد بن أبي وقاص عن عمر بن الخطاب أن عمر قال لنساء من قريش يسألْنَ النبي ( ﷺ ) ويستكثرن، فلما دخل عمر ابتدَرْن الحجاب فقال لهن :( يا عدُوَّاتتِ أنفسهن أتهبنَني ولا تهِبْنَ رسول الله ( ﷺ ).
فالمقت مستعار لِقلة التدبر فيما يضر. وقد أشار إلى وجه هذه الاستعارة قوله :( إذْ تُدْعون إلى الإيمان فتكفرون ( فمناط الكلام هو ) فتكفرون ( وفي ذكر ) ينادون ( ما يدل على كلام محذوف تقديره : أن الذين كفروا يمقتهم الله وينادَون لمقتُ الله الخ.


الصفحة التالية
Icon