" صفحة رقم ١٥٩ "
والمُثل والقوارع والترغيب والترهيب شيء عجيب، مع دحض شبه المعاندين بأفانين الإقناع بانحطاط ملّة كفرهم وعَسْف معوِّج سلوكهم. وأدمج في خلال ذلك ما في دلائل الوحدانية من النعم على النّاس والإنذار والتبشير.
وقد جرت آيات هذه السورة على أسلوب نسبة الكلام إلى الله تعالى عدا ما قامت القرينة على الإسناد إلى غيره.
تقدم القول في نظائره ومواقعها قبل ذِكر القرآن وتنزيله.
( ٢، ٣ )
أقسم بالكتاب المبين وهو القرآن على أن القرآن جَعله الله عَربياً واضحَ الدلالة فهو حقيق بأن يُصدّقوا به لو كانوا غير مكابرين، ولكنّهم بمكابرتهم كانوا كمن لا يعقلون. فالقَسَم بالقرآن تنويه بشأنه وهو توكيد لما تضمنه جواب القَسَم إذ ليس القَسَم هنا برافع لتكذيب المنكرين إذ لا يصدّقون بأن المقسِم هو الله تعالى فإن المخاطَب بالقسم هم المنكرون بدليل قوله :( لعلكم تعقلون ( وتفريععِ ) أفنضرب عنكم الذكر صفحاً ( ( الزخرف : ٥ ) عليه. وتوكيدُ الجواب ب ( إنَّ ) زيادة توكيد للخَبَر أن القرآن من جعل الله.
وفي جَعل المقسَم به القرآن بوصف كونه مبيناً، وجَعْللِ جواب القسم أن الله جعله مُبيناً، تنويه خاص بالقرآن إذ جُعل المقسم به هو المقسم عليه، وهذا ضرب عزيز بديع لأنه يُومىء إلى أن المقسم على شأنه بلغ غاية الشرف فإذا أراد المقسِم أن يقسم على ثبوت شرف له لم يجد ما هو أوْلى بالقسم به للتناسب بين القَسَم والمقسم عليه. وجعل صاحب ( الكشاف ) من قبيله قولَ أبي تمام :