" صفحة رقم ١٧٦ "
وفيه إشارة إلى أن حق المؤمن أن يكون في أحواله كلها ملاحظاً للحقائق العالية ناظراً لتقلبات الحياة نظر الحكماء الذين يستدلون ببسائط الأمور على عظيمها.
هذا متصل بقوله :( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ( ( الزخرف : ٩ ) أي ولئن سألتهم عن خالق الأشياء ليعترفن به وقد جعلوا له مع ذلك الاعتراف جُزْءاً.
فالواو للعطف على جملة ) ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض. ويجوز كونها للحال على معنى : وقد جعلوا له من عباده جزءاً، ومعنى الحال تفيد تعجيباً منهم في تناقض آرائهم وأقوالهم وقلبهم الحقائقَ، وهي غبارة في الرأي تعرض للمقلدين في العقائد الضالّة لأنهم يلفقون عقائدهم من مختلف آراء الدُعاة فيجتمع للمقلد من آراء المختلفين في النظر ما لو اطلع كل واحد من المقتَدَيْنَ بهم على رأي غيره منهم لأبطله أو رجع عن الرأي المضادّ له.
فالمشركون مقرّون بأن الله خالق الأشياء كلّها ومع ذلك جعلوا له شركاء في الإلَهية، وكيف يستقيم أن يكون المخلوق إلاهاً، وجعلوا لله بنات، والبنوة تقتضي المماثلة في الماهية، وكيف يستقيم أن يكون لخالق الأشياء كلّها بنات فهنّ لا محالة مخلوقات له فإنْ لم يكنّ مخلوقات لزم أن يكنّ موجودات بوجوده فكيف تكنّ بناته. وإلى هذا التناقض الإشارة بقوله : من عباده ( أي من مخلوقاته، أو ليست العبودية الحقة إلاّ عبودية المخلوق جزءاً، أي قطعة.
والجزء : بعْض من كُلَ، والقطعة منْه. والوَلَد كجزء من الوالد لأنه منفصل مِنه، ولذلك يقال للولد : بَضْعة. فهم جمعوا بين اعتقاد حدوث الملائكة وهو مقتضى أنها عباد الله وبين اعتقاد إلاهيتها وهو مقتضى أنها بنات الله لأن البُنوة تقتضي المشاركة في الماهية.
ولما كانت عقيدة المشركين معروفة لهم ومعروفة للمسلمين كان المراد من الجزء :