" صفحة رقم ١٨٥ "
المذكر تغليب وليس عائداً إلى الملائكة لأنهم كانوا يزعمون الملائكة إناثاً فلو أرادوا الملائكة لقالوا ما عبدناها أو ما عبدناهنّ. وهذا هو الوجه في معنى الآية. ومثله مروي عن مجاهد وابن جريج واقتصر عليه الطبري وابن عطية، ومن المفسرين من جعل معاد الضمير ) الملائكة ( ( الزخرف : ١٩ ) ولعلهم حملهم على ذلك وقوع هذا الكلام عقب حكاية قولهم في الملائكة : إنهم إناث وليس اقتران كلام بكلام بموجب اتحاد محمَليْهما. وعلى هذا التفسير درج صاحب ( الكشاف ) وهو بعيد من اللّفظ لتذكير الضمير كما علمت، ومن الواقع لأن العرب لم يعبد منهم الملائكة إلا طوائف قليلة عبدوا الجن والملائكة مع الأصنام وليست هي الديانة العامة للعرب. وهذه المقالة مثارها تخليط العامة والدهماء من عهد الجاهلية بينَ المشيئة والإرادة، وبين الرضى والمحبة، فالعرب كانوا يقولون : شاءَ الله وإن شاء الله، وقال طرفة :
فلو شاء ربّي كنت قيس بن عاصم
ولو شاء ربّي كنت عَمرو بن مَرثد
فبنوا على ذلك تخليطاً بين مشيئة الله بمعنى تعلق إرادته بوقوع شيء، وبين مشيئته التي قدَّرها في نظام العالم من إناطة المسببات بأسبابها، واتصال الآثار بمؤثراتها التي رتبها الله بقدَر حين كوَّن العالم ونظَّمه وأقام له سنناً ونواميس لا تخرج عن مدارها إلاّ إذا أراد الله قلب نظمها لحكمة أخرى. فمشيئة الله بالمعنى الأول يدل عليها ما أقامه من نظام أحوال العالم وأهله. ومشيئته بالمعنى الثاني تدل عليها شرائعه المبعوث بها رسُلُه.
وهذا التخليط بين المشيئتين هو مثار خبط أهل الضلالات من الأمم، ومثار حيرة أهل الجهالة والقصور من المسلمين في معنى القضاء والقدر ومعنى التكليف والخطاب. وقد بيّنا ذلك عند قوله تعالى :( سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرَّمْنا من شيء كذلك كذّب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا في سورة الأنعام.
وهذا القول الصادر منهم ينتظم منه قياس استثنائي أن يقال : لو شاء الله ما


الصفحة التالية
Icon