" صفحة رقم ١٩٢ "
وجملة وإذ قال إبراهيم ( عطف على عموم الكلام السابق من قوله :( وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قريةٍ من نذيرٍ ( ( الزخرف : ٢٣ ) إلى قوله :( وإذ قال إبراهيم (، وهو عطف الغرض على الغرض.
و ) إذْ ( ظرف متعلق بمحذوف، تقديره : واذْكُر إذ قال إبراهيم، ونظائر هذا كثيرة في القرآن كما تقدم في قوله تعالى :( وإذ قال ربّك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ( في سورة البقرة.
والمعنى : واذكر زمان قول إبراهيم لأبيه وقومه قولاً صريحاً في التبرّؤ من عبادة الأصنام. وخُصَّ أبو إبراهيم بالذكر قبلَ ذكر قومه وما هو إلا واحد منهم اهتماماً بذكره لأن براءة إبراهيم مما يَعبُد أبُوه أدَلُّ على تجنب عبادة الأصنام بحيث لا يتسامح فيها ولو كان الذي يعبدها أقربَ النّاس إلى موحّد الله بالعبادة مثل الأببِ، ولتكون حكاية كلام إبراهيم قدوة لإبطال قول المشركين ) وإنّا على آثارهم مهتدون ( ( الزخرف : ٢٢ ) قال تعالى :( قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا برءؤا منكم ومما تعبدون من دون الله ( ( الممتحنة : ٤ ) أي فما كان لكم أن تقتدوا بآبائكم المشركين وهلا اقتديتم بأفضل آبائكم وهو إبراهيم.
والبَرَاء بفتح الباء مصدر بوزن الفَعال مثل الظَّماء والسّماع يخبر به ويوصف به في لغة أهل العالية وهي ما فوق نجد إلى أرض تهامة مما وراء مكّة وأما أهل نجد فيقولون بَريء.
والاستثناء في قوله :( إلا الذي فطرني ( استثناء من ( ما تعبدون )، و ( ما ) موصولة أي من الذين تعبدونهم فإن قوم إبراهيم كانوا مشركين مثل مشركي العرب. وقد بسطنا ذلك فيما تقدم عند قوله :( وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتّخذ أصناماً آلهة ( ( الأنعام : ٧٤ ).
وفرع على هذا قوله :( فإنه سيهدين ( لأن قوله :( إنني براء مما تعبدون ( يتضمن معنى : إنني اهتديت إلى بطلان عبادتكم الأصنام بهدي من الله.