" صفحة رقم ١٩٩ "
وفي تعقيب الغاية بهذا الكلام إيذان بأن تمتيعهم أصبح على وشك الانتهاء.
فجملة ) ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر ( معطوفة على جملة ) حتى جاءهم الحق ( ( الزخرف : ٢٩ ) فإن ) لما ( توقيتية فهي في قوة ) حتى الغائيَّة كأنه قيل : متعت هؤلاء وآباءهم، فلما جاءهم الحق عقِبَ ذلك التمتيع لم يستفيقوا من غفلتهم وقالوا : هذا سحر، أي كانوا قبل مجيء الحق مشركين عن غفلة وتساهل، فلما جاءهم الحق صاروا مشركين عن عناد ومكابرة.
وجملة وإنا به كافرون ( مقول ثاننٍ، أي قالوا : هذا سحر فلا نلتفت إليه وقالوا إنا به، أي بالقرآن، كافرون، أي سواء كان سحراً أم غيره، أي فرضوا أنه سحر ثم ارتقوا فقالوا إنّا به كافرون، أي كافرون بأنه من عند الله سواء كان سحراً أم شعراً أم أساطيرَ الأولين. ولهذا المعنى أكدوا الخبر بحرف التأكيد ليُؤْيسوا الرّسول ( ﷺ ) من إيمانهم به.
عطف على جملة ) قالوا هذا سحر ( ( الزخرف : ٣٠ ) فهو في حيّز جواب ) لمّا ( الزخرف : ٣٠ ) التوقيتية واقع موقع التعجيب أيضاً، أي بعد أن أخذوا يتعللون بالعلل لإنكار الحق إذ قالوا للقرآن : هذا سحر، وإذ كان قولهم ذلك يقتضي أن الذي جاء بالقرآن ساحِر انتُقل إلى ذِكر طعن آخر منهم في الرّسول بأنه لم يكن من عظماء أهل القريتين.
ولولا ( أصله حرف تحْضيض، استعمل هنا في معنى إبطال كونه رسولاً على طريقة المجاز المرسل بعلاقة الملازمة لأن التحْضيض على تحصيل ما هو مقطوع بانتفاء حصوله يستلزم الجزم بانتفائه.
والقريتان هما : مكة والطائف لأنّهما أكبر قُرى تهامة بلد القائلين وأما يثرب وتيماء ونحوهما فهي من بلد الحجاز.