" صفحة رقم ٢١٣ "
وقرأ الجمهور ) جاءنا ( بصيغة المفرد والضمير المستتر في ) قال ( عائد إلى ) من يعش عن ذكر الرحمن ( ( الزخرف : ٣٦ )، أي قال أحدهما وهو الذي يعشو. والمعنى على القراءتين واحد لأن قراءة التثنية صريحة في مجيء الشيطان مع قرينه الكافر وأن المتندم هو الكافر، والقراءة بالإفراد متضمنة مجيء الشيطان من قوله :( يا ليت بيني وبينك بُعْدَ المشرقين ( إذ عُلم أن شيطانه القرينَ حاضر من خطاب الآخر إياه بقوله :( وبَيْنَك ). وحرف ) يا ( أصله للنداء، ويستعمل للتلهف كثيراً كما في قوله ) يا حسرة ( ( يس : ٣٠ ) وهو هنا للتلهف والتندم.
والمشرقان : المشرق والمغرب، غلب اسم المشرق لأنه أكثر خطوراً بالأذهان لتشوف النفوس إلى إشراق الشمس بعد الإظلام.
والمراد بالمشرق والمغرب : إما مكان شروق الشمس وغروبها في الأفق، وإما الجهة من الأرض التي تبدو الشمسُ منها عند شروقها وتغيب منها عند غروبها فيما يلوح لطائفة من سكان الأرض. وعلى الاحتمالين فهو مَثَل لشدة البعد. وأضيف ) بعد ( إلى ) المشرقين ( بالتثنية بتقدير : بعد لهما، أي مختص بهما بتأويل البعد بالتباعد وهو إيجاز بديع حَصل من صيغة التغليب ومن الإضافة. ومُسَاواته أن يقال بُعْد المَشْرق من المغرب والمغرببِ من المشرق فنابت كلمة ) المشرقين ( عن ست كلمات.
وقوله ) فبئس القرين (، بَعْدَ أن تمنى مفارقته فرّع عليه ذمّاً فالكافر يذم شيطانه الذي كان قريناً، ويُعرِّض بذلك للتفصّي من المؤَاخذة، وإلقاءِ التبعة على الشيطان الذي أضَلّه.
والمقصود من حكاية هذا تفظيع عواقب هذه المقارنة التي كانت شغفَ المتقارنَيْن، وكذلك شأن كل مقارنة على عمل سّيىء العاقبة. وهذا من قبل قوله تعالى :( الأخلاء يومئذٍ بعضُهم لبعض عدوٌ إلا المتقين ( ( الزخرف : ٦٧ ).