" صفحة رقم ٢٢٤ "
) وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ( ( الزخرف : ٤٥ ) الآية هيَّأتْ المقام لضرب المثَل بحال بعض الرّسل الذين جاءوا بشريعة عظمى قبل الإسلام.
والمقصود من هذه القصة هو قوله فيها ) فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلَفاً ومثَلاً للآخرين ( ( الزخرف : ٥٥، ٥٦ )، فإن المراد بالآخرِين المكذبون صناديدُ قريش. ومن المقصود منها بالخصوص هنا : قولُه ) وملئه ( أي عظماء قومه فإن ذلك شبيه بحال أبي جهل وأضرابه، وقوله :( فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون ( لأن حالهم في ذلك مشابه لحال قريش الذي أشار إليه قوله :( وكم أرسلنا من نبيء في الأولين وما يأتيهم من نبيء إلا كانوا به يستهزئون ( ( الزخرف : ٦، ٧ )، وقولُه بعد ذلك ) أم أنا خير من هذا الذي هو مَهِين ( ( الزخرف : ٥٢ ) لأنهم أشبهوا بذلك حال أبي جهل ونحوه في قولهم :( لولا نُزّل هذا القرآن على رجللٍ من القريتين عظيمٍ ( ( الزخرف : ٣١ ) إلاّ أن كلمة سادة قريش كانت أقرب إلى الأدب من كلمة فرعون لأن هؤلاء كان رسولهم من قومهم فلم يتركوا جانب الحياء بالمرة وفرعون كان رسوله غريباً عنهم. وقولُه ) فلولا ألقي عليه أساورة من ذهب ( ( الزخرف : ٥٣ ) لأنه مشابه لما تضمنه قول صناديد قريش ) على رجل من القريتين عظيم ( ( الزخرف : ٣١ ) فإن عظمة ذيْنِك الرجلين كانت بوفرة المال، ولذلك لم يُذكر مثله في غير هذه القصة من قصص بعثة موسى عليه السلام، وقولُهم :( يا أيّها الساحر ادْعُ لَنَا ربّك ( ( الزخرف : ٤٩ ) وهو مُضاهٍ لقوله في قريش ) هذا سحرٌ وإنا به كافرون ( ( الزخرف : ٣٠ )، وقولُه :( فأغرقناهم أجمعين ( ( الزخرف : ٥٥ ) الدالُّ على أن الله أهلكهم كلَّهم، وذلك إنذار بما حصل من استئصال صناديد قريش يوم بدر.
فحصل من العبرة في هذه القصة أمران :
أحدهما : أن الكفار والجهلة يتمسكون بمثل هذه الشبهة في رد فضل الفضلاء فيتمسكون بخيوط العنكبوت من الأمور العرضية التي لا أثر لها في قيمة النفوس الزكية.
وثانيهما : أن فرعون صاحبَ العظمة الدنيوية المحضة صار مقهوراً مغلوباً انتصر عليه الذي استضعفه، وتقدم نظير هذه الآية غير مرة.