" صفحة رقم ٢٣٥ "
عطفُ ) فأغرقناهم ( بالفاء كالعطف في قوله :( أنْ يقول له كُن فيكونُ ( ( يس : ٨٢ )، وإما أن تُجعل الفاء زائدة لتأكيد تسبب ) ءاسفونا ( في الإغراق، وأصل التركيب : انتقمنا منهم فأغرقناهم، على أن جملة ) فأغرقناهم ( مبينة لجملة ) انتقمنا منهم ( فزيدت الفاء لتأكيد معنى التبيين، وإما أن تجعل الفاء عاطفة جملة ) انتقمنا ( على جملة ) فاستخف قومه ( الزخرف : ٥٤ ) فأغرقناهم أجمعين ( وتكون جملة ) انتقمنا ( معترضة بين الجملة المفرعة والمفرعة عنها، وتقدم نظير هذا عند قوله تعالى :( فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليّم ( ( الأعراف : ١٣٦ ).
وفرع على إغراقهم أن الله جعلهم سلفاً لقوم آخرين، أي يأتون بعدهم. والسلف بفتح السين وفتح اللام في قراءة الجمهور : جمع سالف مثل : خدم لخادم، وحَرس لحارس. والسالف الذي يسبق غيره في الوجود أو في عمل أو مكان، ولما ذكر الانتقام كان المراد بالسلف هنا السالف في الانتقام، أي أنَّ مَن بعدَهم سيلقَون مثل ما لَقُوا. وقرأ حمزة وحده والكسائي ) سُلُفا ( بضم السين وضم اللام وهو جمع سَليف اسم للفريق الذي سلف ومضى.
والمَثَل : النظير والمشابه، يقال : مَثَل بفتحتين كما يقال شَبَه، أي مماثل. قال أبو علي الفارسي : المثل واحد يراد به الجمع. وأطلق المثل على لازمه على سبيل الكَناية، أي جعلناهم عبرة للآخرين يعلمون أنهم إن عملوا مثل عملهم أصابهم مثلُ ما أصابهم. ويجوز أن يكون المثل هنا بمعنى الحديث العجيب الشأن الذي يسير بين النّاس مسيرَ الأمثاللِ، أي جعلناهم للآخرين حديثاً يتحدثون به وَيَعِظُهُمْ به محدّثهم.
ومعنى الآخرين، النّاس الذين هم آخر مماثل لهم في حين هذا الكلام فتعين أنهم المشركون المكذبون للرّسول ( ﷺ ) فإن هؤلاء هم آخر الأمم المشابهة لقوم فرعون في عبادة الأصنام وتكذيب الرّسول. ومعنى الكلام : فجعلناهم سلَفاً لكم ومثلاً لكم فاتّعظوا بذلك.
ويتعلق ) للآخرين ( ب ) سلفاً ومثلاً ( على وجه التنازع.


الصفحة التالية
Icon