" صفحة رقم ٢٤١ "
بتوهمهم أن كونه خُلِق بكلمة من الله يفيد أنه جزء من الله فهو حقيق بالإلاهية، أي كان خلقه في بطن أمه دون أن يَقرَبَها ذكر ليكون عبرة عجيبة في بني إسرائيل لأنهم كانوا قد ضعف إيمانهم بالغيب وبعُد عهدهم بإرسال الرّسل فبعث الله عيسى مجدّداً للإيمان بينهم، ومبرهِناً بمعجزاته على عظم قدرة الله، ومعيداً لتشريف الله بني إسرائيل إذ جعل فيهم أنبياء ليكون ذلك سبباً لقوة الإيمان فيهم، ومُظهراً لفضيلة أهل الفضل الذين آمنوا به ولعناد الذين منعهم الدفع عن حرمتهم من الاعتراف بمعجزاته فناصبوه العداء وسَعَوْا للتنكيل به وقتلِه فعصمه الله منهم ورفعَه من بينهم فاهتدى به أقوام وافتتن به آخرون. فالمثَل هنا بمعنى العِبرة كالذي في قوله آنفاً ) فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين ( ( الزخرف : ٥٦ ).
وفي قوله :( لبني إسرائيل ( إشارة إلى أن عيسى لم يُبعث إلا إلى بني إسرائيل وأنه لم يَدْعُ غير بني إسرائيل إلى اتّباع دينه، ومن اتبعوه من غير بني إسرائيل في عصور الكفر والشرك فإنما تقلدوا دعوته لأنها تنقذهم من ظلمات الشرك والوثنية والتعطيل.
لما أشارت الآية السابقة إلى إبطال ضلالة الذين زعموا عيسى عليه السلام ابناً لله تعالى، من قَصره على كونه عبداً لله أنعم الله عليه بالرسالة وأنه عبرة لبني إسرائيل عُقب ذلك بإبطال ما يماثل تلك الضلالة، وهي ضلالة بعض المشركين في ادعاء بنوة الملائكة لله تعالى المتقدم حكايتها في قوله :( وجَعَلوا له من عباده جُزءاً ( ( الزخرف : ١٥ ) الآيات فأشير إلى أن الملائكة عباد لله تعالى جعَل مكانهم العوالم العليا، وأنه لو شاء لجعلهم من سكان الأرض بدلاً عن الناس، أي أن كونهم من أهل العوالم العليا لم يكن واجباً لهم بالذات وما هو إلا وضعٌ بجعل من الله تعالى كما جعل للأرض سكاناً، ولو شاء الله لعكس فجعل الملائكة في الأرض بدلاً عن


الصفحة التالية
Icon