" صفحة رقم ٢٧١ "
ليقولن الله ( أي سألتهم سؤال تقرير عمن خلقهم فإنه يُقرّون بأن الله خلقهم، وهذا معلوم من حال المشركين كقول ضِمام بن ثعلبة للنبيء ( ﷺ ) ( أسألك بربّك وربّ من قبلك آلله أرسلك )، ولأجل ذلك أُكِّد إنهم يقرون لله بأنه الخالق فقال :( ليقولن الله (، وذلك كاففٍ في سفاهة رأيهم إذ كيف يكون إلاهاً من لم يخلق، قال تعالى :( أفمن يخلق كمَن لا يخلق أفلا تذكرون ( ( النحل : ١٧ ).
والخطاب في قوله :( سألتهم ( للنبيء ( ﷺ ) ويجوز أن يكون لغير معيّن، أي إن سألهم من يتأتى منه أن يسأل. وفرع على هذا التقرير والإقرار الإنكارُ والتعجيبُ من انصرافهم من عبادة الله إلى عبادة آلهة أخرى بقوله :( فأنى يؤفكون ).
و ( أنّى ) اسم استفهام عن المكان فمحله نصب على الظرفية، أي إلى أيِّ مكان يصرفون. و ) يؤفكون ( يُصْرَفون : يقال : أفكَه عن كذا، يأفِكه من بابْ ضَرب، إذا صرفه عنه، وبُني للمجهول إذ لم يصرفهم صارف ولكن صرفوا أنفسهم عن عبادة خالقهم، فقوله :( فأنى يؤفكون ( هو كقول العرب : أين يُذهَب بك، أي أين تذهب بنفسك إذ لا يريدون أن ذاهباً ذهب به يسألونه عنه ولكن المراد : أنه لم يذهب به أحد وإنما ذهب بنفسه.
القيل مصدر قَال، والأظهر أنه اسم مراد به المفعول، أي المقول مثل الذِبح وأصله : قِوْل، بكسر القاف وسكون الواو. والمعنى : ومقوله.
والضمير المضاف إليه :( قيل ) ضمير الرسول ( ﷺ ) بقرينة سياق الاستدلال وَالحجاججِ من قوله :( قل إن كان للرحمان ولدٌ فأنا أول العابدين ( ( الزخرف : ٨١ )، وبقرينة قوله :( يا رب ( وبقرينة أنه قال :( إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ( وبقرينة إجابته بقوله :( فاصفح عنهم وقلْ سلام ( ( الزخرف : ٨٩ )، والأولى أن يكون ضمير الغائب التفاتاً عن الخطاب