" صفحة رقم ٢٨٧ "
الشرك، فهذا الدخان قد حصل بعد الهجرة لا محالة وتعيّن أنه قد حصل قبل أن يسلم المشركون الذين بمكة وما حولها فيتعيّن أنه حصل قبل فتح مكة أو يوم فتح مكة على اختلاف الأقوال. والأصح أن هذا الدخان عُني به ما أصاب المشركين من سِنِي القحط بمكة بعد هجرة النبي ( ﷺ ) إلى المدينة. والأصح في ذلك حديث عبد الله بن مسعود في ( صحيح البخاري ) عن مسلم وأبي الضحى عن مسروق قال : دخلتُ على عبد الله بن مسعود فقال : إنَّ قريشاً لما غَلَبوا على النبي ( ﷺ ) واستعصوا عليه قال : اللّهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف، فأخذتهم سَنة أكلوا فيها العظام والميتةَ من الجَهْد حتى جعل أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع فأُتي رسول الله ( ﷺ ) فقيل له : استسققِ لمُضر أن يكشف عنهم العذاب، فدعا فكشف عنهم وقال الله له : إنْ كشفنا عنهم العذاب عَادوا، فعادُوا : فانتقم الله منهم يومَ بدر فذلك قوله تعالى :( فارتقب يوم تأتي السماء بدخانٍ مبينٍ ( إلى قوله ) يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ( ( الدخان : ١٠ ١٦ ) والبطشة الكبرى يوم بدر. وإن عبَد الله قال : مَضى خمس : الدخانُ، والرومُ والقَمَرُ والبطشة واللِّزَام.
في حديث أبي هريرة في ( صحيح البخاري ) في أبواب الاستسقاء أن النبي ( ﷺ ) كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة من الصبح يقول :( اللهم أنْج عياش بن أبي ربيعة. اللّهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدُدْ وطْأتَك على مُضَر، اللهم اجعلها عليهم سنينَ كسنينِ يوسُف. وهؤلاء الذين دعا لهم بالنجاة كانوا ممن حبسهم المشركون بعد الهجرة، وكل هذه الروايات يؤذن بأن دعاء النبي ( ﷺ ) على المشركين بالسنين كان بعد الهجرة لئلا يعذب المسلمون بالجوع وأنه كان قبل وقعة بدر، وفي بعض روايات القنوت أنه دعا في القنوت على بني لحيان وعُصيَّة.
والذي يستخلص من الروايات أن هذا الجوع حلّ بقريش بُعيد الهجرة، وذلك هو الجوع الذي دعا به النبي ( ﷺ ) إذ قال :( اللّهم أعِنِّي عليهم بسبَعٍ كسَبْعِ يُوسف )، وفي رواية ( اللّهم اشْدُدْ وَطْأتَك على مُضر، اللهم اجعلها عليهم سِنين


الصفحة التالية
Icon