" صفحة رقم ٢٨٨ "
كسنينِ يوسف ) فأُتي النبي ( ﷺ ) فقيل له : استسق لِمُضَر وفي رواية عن مسروق عن ابن مسعود في ( صحيح البخاري ) أن الذي أتى النبي هو أبُو سفيان. وقال المفسرون : إن أبا سفيان أتاه في ناس من أهل مكة يعني أتوا المدينة لمَّا علموا أنّ النبي ( ﷺ ) كان دعا عليهم بالقحط، فقالوا : إن قومك قد هلَكُوا فادع الله أن يسقيهم فدعا. وعلى هذه الرواية يكون قوله تعالى :( يوم تأتي السماء بدخان مبين ( تمثيلاً لهيئة ما يراه الجائعون من شبه الغِشاوة على أبصارهم حين ينظرون في الجوّ بهيئة الدخان النازل من الأفق، فالمجاز في التركيب. وأما مفردات التركيب فهي مستعملة في حقائقها لأن من معاني السماء في كلام العرب قُبة الجو، وتكون جملة ) يغشى الناس ( ترشيحاً للتمثيلية لأن الذي يغشاهم هو الظلمة التي في أبصارهم من الجوع، وليس الدخانَ هو الذي يغشاهم. وبعض الروايات ركب على هذه الآية حديثَ الاستسقاء الذي في ( الصحيح ) أن رجلاً جاء يوم الجمعة والنبي ( ﷺ ) يخطب فقال : يا رسول الله هلك الزرع والضرع فادعُ الله أن يسقينا فرفع يديه وقال : اللّهم اسقنَا ثلاثاً، وما يُرَى في السماء قَزَعَةُ سحاب، فتلبدت السماء بالسحاب وأمطروا من الجمعة إلى الجمعة حتى سالت الأودية وسال وادي قَنَاة شهراً، فأتاه آت في الجمعة القابلة هو الأول أو غيره، فقال : يا رسول الله تقطعت السبل فادع الله أن يمسك المطر عنا، فقال : اللّهم حَوَالَينا ولا علينا، فتفرقت السحب حتى صارت المدينة في شبه الإكليل من السحاب.
والجمع بين الروايتين ظاهر. ويظهر أن هذا القحط وقع بعد يوم بدر فهو قحط آخر غير قحط قريش الذي ذكر في هذه الآية.
ومعنى ) يغشى الناس ( أنه يحيط بهم ويعمّهم كما تحيط الغَاشية بالجسد، أي لا ينجو منه أحد من أولئك الناس وهم المشركون. فإن كان المراد من الدخان ما أصاب أبصارهم من رؤية مثل الغبرة من الجوع فالغشيان مجاز، وإن كان المراد منه


الصفحة التالية
Icon