" صفحة رقم ٢٩٨ "
وإنّما استعاذ موسى منه لأنه علم أن عادتهم عقاب من يخالف دينهم بالقتل رمياً بالحجارة. وجاء في سورة القصص ) فأخاف أن يقْتلون ). ومعنى ذلك إن لم تؤمنوا بما جئت به فلا تقتلوني، كما دل عليه تعقيبه بقوله :( وإن لم تؤمنوا لي ).
والمعنى : إن لم تؤمنوا بالمعجزة التي آتيكم بها فلا ترجموني فإني أعوذ بالله من أن ترجموني ولكن اعتزلوني فكونوا غير موالين لي وأكون مع قرمي بني إسرائيل، فالتقدير : فاعتزلوني وأعتزلكم لأن الاعتزال لا يتحقق إلا من جانبين.
وجيء في شرط ) إن لم تؤمنوا لي ( بحرف ) إنْ ( التي شأنها أن تستعمل في الشرط غير المتيقّن لأن عدم الإيمان به بعد دلالة المعجزة على صدقه من شأنه أن يكون غير واقع فيفرضَ عدمُه كما يُفرض المحال. ولعله قال ذلك قبل أن يعلمه الله بإخراج بني إسرائيل من مصر، أو أراد : فاعتزلوني زمناً، يعني إلى أن يعيّن له الله زمن الخروج.
وعدّي ) تؤمنوا ( باللام لأنه يقال : آمَن به وآمن لَه، قال تعالى :( فآمن له لوطٌ ( ( العنكبوت : ٢٦ )، وأصل هذه اللام لام العلة على تضمين فعل الإيمان معنى الركون.
وقد جاء ترتيب فواصل هذا الخطاب على مراعاة ما يبدو من فرعون وقومه عند إلقاء موسى دعوته عليهم إذْ ابتدأ بإبلاغ ما أرسل به إليهم فآنس منهم التعجب والتردد فقال :( إني لكم رسول أمين (، فرأى منهم الصلف والأنفة فقال :( وأن لا تعلوا على الله ( فلم يرعُووا فقال :( إني آتيكم بسلطان مبين (، فلاحت عليهم علامات إضمار السوء له فقال :( وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون (، فكان هذا الترتيب بين الجُمللِ مغنياً عن ذكر ما أجابوا به على أبدع إيجاز.
التعقيب المفاد بالفاء تعقيب على محذوف يقتضي هذا الدعاءَ إذ ليس في المذكور قبل الفاء ما يناسبه التعقيبُ بهذا الدعاء إذ المذكور قبله كلام من موسى