" صفحة رقم ٣٢٨ "
المؤمنون العاقلون، فوزعت هذه الأوصاف على فواصل هذه الآي لأن ذلك أوقع في نفس السامع من إتْلاَءِ بعضها لبعض.
وقُدم المتصفون بالإيمان لشرفه وجعل خلق الناس والدواب آية للموصوفين بالإيقان لأن دلالة الخلق كائنة في نفس الإنسان وما يحيط به من الدواب، وجعل اختلاف الليل والنهار واختلافُ حوادث الجو آية للذين اتصفوا بالعقل لأن دلالتها على الوحدانية بواسطة لوزام مترتبة بإدراك العقل. وقد أومأ ذكر هذه الصفات إلى أن الذين لم يهتدوا بهذه الآيات ليسوا من أصحاب هذه الصفات ولذلك أعقبه بقوله :( فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ( ( الجاثية : ٦ ) استفهاماً إنكارياً بمعنى النفي.
واعلم أن هذا الكلام وإن كان موجهاً إلى قوم لا ينكرون وجود الإلاه وإنما يزعمون له شركاء، وكان مقصوداً منه ابتداء إثباتٌ الوحدانية، فهو أيضاً صالح لإقامة الحجة على المعَطِّلين الذين ينفون وجود الصانع المختار وفي العرب فريق منهم. فإن أحوال السماوات كلها متغيرة دالة على تغير ما اتصفت بها، والتغير دليل الحدوث وهو الحاجة إلى الفاعل المختار الذي يوجدها بعد العدم ثم يُعدمها.
وقرأ الجمهور قوله :( آيات لقوم يوقنون ( وقوله :( آياتٌ لقوم يعقلون ( برفع ) آيات ( فيهما على أنهما مبتدآن وخبراهما المجروران. وتقدّر ( في ) محذوفة في قوله ) واختلاف الليل والنهار ( لدلالة أختها عليها التي في قوله :( وفي خلقكم ). والعطف في كلتا الجملتين عطف جملة لا عطف مفرد.
وقرأها حمزة والكسائي وخلف ) لآيات ( في الموضعين بكسرة نائبة عن الفتحة ف ) آياتٍ ( الأول عطف على اسم ) إنَّ ( و ) في خلقكم ( عطف على خبر ) إنّ ( فهو عطف على معمولي عامل واحد ولا إشكال في جوازه وأما ) آيات لقوم يعقلون ( فكذلك، إلا أنه عطف على معمولي عَامِلَيْن مختلفين، أي ليسا مترادفين هما ( إنّ ) و ( في ) على اعتبار أن الواو عاطفة ) آيَات ( وليست عاطفة جملة ) في


الصفحة التالية
Icon