" صفحة رقم ٣٣٨ "
وأوثر التفكر بالذكر في آخر صفات المستدلين بالآيات، لأن الفكر هو منبع الإيمان والإيقان والعلم المتقدمة في قوله :( لآيات للمؤمنين ( ( الجاثية : ٣ ) ) آياتٌ لقوم يوقنون ( ( الجاثية : ٤ ) ) آياتٌ لقوم يعقلون ( ( الجاثية : ٥ ).
( ١٤، ١٥ )
إن كانت هذه متصلة بالآي التي قبلها في النزول ولم يصح ما روي عن ابن عباس في سبب نزولها فمناسبة وقعها هنا أن قوله :( ويل لكل أفّاك أثيم ( إلى قوله :( لهم عذاب من رجز أليم ( ( الجاثية : ٧ ١١ ) يثير غضب المسلمين على المستهزئين بالقرآن. وَقد أخذ المسلمون يعتزون بكثرتهم فكان ما ذكر من استهزاء المشركين بالقرآن واستكبارهم عن سماعه يتوقع منه أن يبطش بعض المسلمين ببعض المشركين، ويحتمل أن يكون بَدَرَ من بعض المسلمين غضب أو توعد وأن الله علم ذلك من بعضهم.
قال القرطبي والسدي : نزلت في ناس من أصحاب رسول الله ( ﷺ ) من أهل مكة أصابهم أذى شديد من المشركين فشكوا ذلك إلى النبي ( ﷺ ) فأمرهم الله بالتجاوز عن ذلك لمصلحة في استبقاء الهدوء بمكة والمتاركة بين المسلمين والمشركين ففي ذلك مصالح جمّة من شيوع القرآن بين أهل مكة وبين القبائل النازلين حولها فإن شيوعه لا يخلو من أن يأخذ بمجامع قلوبهم بالرغم على ما يبدونه من إِعراض واستكبار واستهزاء فتتهَيَّأ نفوسهم إلى الدخول في الدين عند زوال ممانعة سادتهم بعد هجرة النبي ( ﷺ ) إلى المدينة وبعد استئصال صناديد قريش يوم بدر. وقد تكرر في القرآن مثل هذا من الأمر بالصفح عن المشركين والعفو عنهم والإعراض عن أذاهم، ولكن كان أكثر الآيات أمراً للنبيء ( ﷺ ) في نفسه وكانت هذه أمراً له بأن يبلغ للمؤمنين ذلك، وذلك يشعر بأن الآية نزلت في وقت كان المسلمون قد كثروا فيه وأحسّوا بعزتهم. فأمروا بالعفو وأن يكلوا أمر نصرهم إلى


الصفحة التالية
Icon