" صفحة رقم ٣٥٦ "
مماتهم، أي بعد حياتهم الثانية بأنَّ خلق السماواتتِ والأرض بالعدل يستدعي التفاوت بين المسيء والمحسن، والانتصاف للمعتدَى عليه من المعتدي.
ووجه الاستدلال أن خلق السماوات والأرض تبين كونه في تمام الإتقان والنظام بحيث إن دلائل إرادة العدل في تصاريفها قائمة، وما أودعه الخالق في المخلوقات من القوى مناسب لتحصيل ذلك النظام الذي فيه صلاحهم فإذا استعملوها في الإفساد والإساءة كان من إتمام إقامة النظام أن يُعاقبوا على تلك الإساءة والمشاهدُ أن المسيء كثير ما عكَف على إساءته حتى المماتتِ، فلو لم يكن الجزاء بعد الموت حصل اختلال في نظام خلق المخلوقات وخلققِ القوى الصادرِ عنها الإحسان والإساءة، وهذا المعنى تكرر في آيات كثيرة وكلما ذكر شيء منه أتبع بذكر الجزاء، وقد تقدم في سورة آل عمران قوله :( ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربَّنا ما خلقتَ هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار وقوله في سورة الدخان ( ٣٨ ٤٠ ) وما خلقْنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين.
والباء في قوله : بالحق ( للسببية أو للملابسة، أي خلقاً للسبب الحق أو ملابساً للحق لا يتخلف الحق عن حال من أحواله.
والحق : اسم جامع لما شأنه أن يَحقّ ويثبت، ومن شأن الحكمة والحكيم أن يقيمه، ولذلك أشير بقوله :( وخلق الله ( فإن اسم الجلالة جامع لصفات الكمال وتصرفات الحكمة.
وعطف ) ولتجزى كل نفس بما كسبت ( على ) بالحق ( لأن المعطوف عليه المجرور بالياء فيه معنى التعليل، وهذا تفصيل بعد إجمال فإن الجزاء على الفعل بما يناسبه هو من الحق، ولأن تعليل الخلق بعلة الجزاء من تفصيل معنى الحق وآثارِ كون الحق سبباً لخلق السماوات والأرض أو ملابساً لأحوال خلقهما، فظهرت المناسبة بين الباء في المعطوف عليه واللام في المعطوف.
والباء في ) بما كسبت ( للتعويض. وما كسبته النفس لا تجزى به بل تجازَى بمثله وما يناسبه، فالكلام على حذف مضاف، أي بمثل ما كسبته. وهذه المماثلة


الصفحة التالية
Icon