" صفحة رقم ٣٥٧ "
مماثلة في النوع، وأما تقدير تلك المماثلة فذلك موكول إلى الله تعالى ومراعًى فيه عظمة عالَم الجزاء في الخير والشر ومقدار تمرد المسيء وامتثال المحسن، بخلاف الحدود والزواجر فإنها مقدرة بما يناسب عالم الدنيا من الضعف. ولهذا أعقبه بقوله :( وهم لا يظلمون ( فضمير ) وهم ( عائد إلى ) كل نفس (، فإن ذلك الجزاء مما اقتضاه العدل الذي جُعل سبباً أو ملابساً لخلق السماوات والأرض وما فيهما، فهو عدل، فليس من الظلم في شيء فالمُجازَى غير مظلوم، وبالجزاء أيضاً ينتفي أثر ظلم الظالم عن المظلوم إذ لو ترك الجزاء لاستمر المظلوم مظلوماً.
لما كان الذين حسبوا أن يكونوا في الآخرة في نعمة وعزة كما كانوا في الدنيا قالوا ذلك عَنْ غير دليل ولا نظر ولكن عن اتباع ما يشتهون لأنفسهم من دوام الحال الحسن تفرع على حسبانهم التعجيب من حالهم، فعطف بالفاء الاستفهامُ المستعملُ في التعجيب، وجعل استفهاماً عن رؤية حالهم، للإشارة إلى بلوغ حالهم من الظهور إلى حد أن تكون مرئية.
وأصل التركيب :( أفرأيت من اتخذ إلاهه هواه ( الخ، فقدمت همزة الاستفهام، والخطاب للنبيء ( ﷺ ) والمقصود من معه من المسلمين، أو الخطاب لغير معيّن، أي تناهت حالهم في الظهور فلا يختص بها مخاطب.
و ) مَنْ ( الموصولة صادقة على فريق المستهزئينَ الذين حسبوا أن يكون مَحْياهم ومماتهم سواء بقرينة ضمير الجمع في الجملة المعطوفة بقوله :( وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا ( ( الجاثية : ٢٤ ) الخ.
والمعنى : أن حجاجهم المسلمين مركَّز على اتباع الهوى والمغالطةِ، فلا نهوض