" صفحة رقم ٣٥٨ "
لحجتهم لا في نفس الأمر ولا فيما أرادوه، على فرض وقوع البعث من أن يكونوا آمنين من أهوال البعث، وأنهم لا يرجى لهم اهتداء لأن الله خلقهم غير قابلين للهدَى فلا يستطيع غيره هداهم.
و ) إلاهه ( يجوز أن يكون أطلق على ما يلازم طاعته حتى كأنه معبود فيكون هذا الإطلاق بطريقة التشبيه البليغ، أي اتخذ هواه كإلاه له لا يخالف له أمراً. ويجوز أن يبقى ) إلاهه ( على الحقيقة ويكون ) هواه ( بمعنى مَهْوِيَّهُ، أي عبد إلاهاً لأنه يحب أن يعبده، يعني الذين اتخذوا الأصنام آلهة لا يقلعون عن عبادتها لأنهم أحبوها، أي ألِفوها وتعلقت قلوبهم بعبادتها، كقوله تعالى :( وأُشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ( ( البقرة : ٩٣ ).
ومعنى ) أضلّه الله ( أنه حفّهم بأسباب الضلالة من عقول مكابرة ونفوس ضعيفة، اعتادت اتباع ما تشتهيه لا تستطيع حَمل المصابرة والرضى بما فيه كراهية لها. فصارت أسماعهم كالمختوم عليها في عدم الانتفاع بالمواعظ والبراهين، وقلوبُهم كالمختوم عليها في عدم نفوذ النصائح ودلائل الأدلة إليها، وأبصارُهم كالمغطاة بغشاوات فلا تنتفع بمشاهدة المصنوعات الإلاهية الدالة على انفراد الله بالإلاهية وعلى أنَّ بعد هذا العالم بعثاً وجزاء.
ومعنى ) على علم ( أنهم أحاطت بهم أسباب الضلالة مع أنهم أهل علم، أي عقول سليمةٍ أوْ مع أنهم بلغهم العِلم بما يهديهم وذلك بالقرآن ودعوة النبي ( ﷺ ) إلى الإسلام.
فحرف ) على ( هنا معناه المصاحبة بمعنى ( مع ) وأصل هذا المعنى استعارة معنى الاستعلاء للاستعلاء المجازي وهو التمكن بين الوصف والموصوف. وشاع ذلك حتى صار معنى من معاني ( على ) كما في قول الحارث بن حلزة :
فيَقيناً على الشَّنَاءة تَنْمينا
حُصون وعِزّة قعساء
والمعنى : أنه ضال مع مَا له من صفة العلم، فالعلم هنا من وصف من اتخذ إلاهه هواه وهو متمكن من العلم لو خلع عن نفسه المكابرة والميل إلى الهوى.