" صفحة رقم ١٠٠ "
ومعنى ) آنفاً ( : وقتاً قريباً من زمن التكلم، ولم ترد هذه الكلمة إلا منصوبة على الظرفية. قال الزجاج : هو من استَأنف الشيءَ إذا ابتدأه اه يريد أنه مشتق من فعل مزيد ولم يسمع له فعل مجرد، وظاهر كلامهم أن اشتقاقه من الاسم الجامد وهو الأنْفُ، أي جَارحة الشمّ وكأنهم عنوا به أنف البعير لأن الأنف أول ما يَبْدُو لراكبه فيأخذ بخطامه، فلوحظ في اسم الأنْف معنى الوصف بالظهور، وكني بذلك عن القرب، وقال غيره : هو مشتق من أُنُف بضم الهمزة وضم النون يوصف به الكأس التي لم يُشرب منها من قَبل، وتُوصف به الروضة التي لم تُرْع قبلُ، كأنهم لاحَظوا فيها لازم وصف عدم الاستعمال وهو أنه جديد، أي زمن قريب، ف ) آنفاً ( زماناً لم يبعد العهد به. قال ابن عطية :( والمفسّرون يقولون :( آنفاً ( معناه : الساعة القريبة مِنا وهذا تفسيرُ المعنى ) اه. وفي كلامه نظر لأن أهل اللغة فسروه بوقت يقرب منا. وصيغ على زنة اسم الفاعل وليس فيه معنى اسم الفاعل، فهذا اسم غريب التصريففِ ولا يحفظ شيء من شعر العرب وقع فيه هذا اللفظ.
واتفق القراء على قراءته بصيغة فاعل وشذت رواية عن البزي عن ابن كثير أنه قرأ ) آنفاً ( بوزن كتف. وقد أنكر بعض علماء القراءات نِسبتها إلى ابن كثير ولكن الشاطبي أثبتها في حرز الأماني وقد ذكرها أبو علي في الحجة. فإذا صحت هذه الرواية عن البزّي عنه كان ) آنِفاً ( حالاً من ضمير ) من يستمع ( أجري على الإفراد رعياً للفظ ) مَن ). ومعناه : أنه يقول ذلك في حال أنه شديد الأنفة، أي التكبر إظهاراً لترفعه عن وعي ما يقوله النبي ( ﷺ ) وينتهي الكلام عند ماذا. وزعم أبو علي في الحجة : أن البزي توهمه مثل : حَاذر وحَذر. ولا يظن مثل هذا بالبزي لو صحت الرواية عنه عن ابن كثير.
وسياق الكلام يدل على ذم هذا السؤال لقوله عقبه ) أولئك الذين طبع الله على قلوبهم ( فهو سؤال يُنْبىء عن مذمة سائليه، فإن كان سؤالهم حقيقة أنبأ عن قلة وعيهم لما يسمعونه من النبي ( ﷺ ) فهم يستعيدونه من الذين علموه فلعل استعادتهم إياه لقصد أن يتدارسوه إذا خلوا مع إخوانهم ليختلقوا مغامر يهيئونها بينهم، أو أن يجيبوا من يسألهم من إخوانهم عما سمعوه في المجلس الذي كانوا فيه.


الصفحة التالية
Icon