" صفحة رقم ١٢٤ "
الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ( ( المنافقون : ٧ ).
فالمعنى : ولنبلونكم لنعلم المجاهدين منكم والصابرين، وليس المراد انتهاء البلوى عند ظهور المجاهدين منهم والصابرين.
وعلة الفعل لا يلزم انعكاسها، أي لا يلزم أن لا يكون للفعل علة غيرها فللتكليف عِلل وأغراض عديدة منها أن تظهر حال الناس في قبول التكليف ظهوراً في الدنيا تترتب عليه معاملات دنيوية.
وعلم الله الذي جعل علة للبلو هو العلم بالأشياء بعد وقوعها المسمى علم الشهادة لأن الله يعلم من سيُجاهد ومن يصبر من قبْللِ أن يبلوهم ولكن ذلك علم غيب لأنه قبل حصول المعلوم في عالم الشهادة.
والأحسن أن يكون ) حتى نعلم ( مستعملاً في معنى حتى نظهر للناس الدعاوي الحق من الباطلة، فالعلم كناية عن إظهار الشيء المعلوم بقطع النظر عن كون إظهاره للغير كما هنا أو للمتكلم كقول إياس بن قبيصةَ الطائي :
وأقَبلْتْ والخَطِّيُّ يخْطُر بيننا
لا عَلَم منَ جَبَانُها مِن شجاعها
أراد ليظهر للناس أنه شجاع ويظهر من هو من القوم جبان، فالله شرع الجهاد لنصر الدين ومِنْ شرَعه يتبين من يجاهد ومن يقعد عن الجهاد، ويتبين من يصبر على لأواء الحرب ومن ينخزل ويفر، فلا تروج على الناس دعوى المنافقين صدق الإيمان ويعلم الناس المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
وبلو الإخبار : ظهور الأحدوثة من حسن السمعة وضده. وهذا في معنى قول الأصوليين ترتُّبُ المدح والذم عاجلاً، وهو كناية أيضاً عن أحوال أعمالهم من خير وشر لأن الأخبار إنما هي أخبار عن أعمالهم، وهذه علة ثانية عطفت على قوله :( حتى نعلم المجاهدين منكم ). وإنما أعيد عطف فعل ) نبلوَ ( على فعل ) نعلم ( وكان مقتضى الظاهر أن يعطف ) أخباركم ( بالواو على ضمير المخاطبين في ) لنبلونكم ( ولا يعاد ) نبلوَ (، فالعدول عن مقتضى ظاهر النظم إلى هذا التركيب للمبالغة في بَلْو لأخبار لأنه كناية عن بلو أعمالهم وهي المقصود من بلو ذواتهم، فذكره كذكر العام بعد الخاص إذ تعلق البلو الأول بالجهاد والصبرِ، وتعلق


الصفحة التالية
Icon