" صفحة رقم ١٣٥ "
ويجوز أن يفيد أيضاً معنى : أنه لا يطالبكم بإعطاء مال لذاته فإنه غني عنكم وإنما يأمركم بإنفاق المال لصالحكم كما قال :( ومن يبخل فإنما يَبْخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء ( ( محمد : ٣٨ ). وهذا توطئة لقوله بعده ) ها أنتم هؤلاء تُدعون لتنفقوا في سبيل الله إلى قوله : فإنما يبْخل عن نفسه ( ( محمد : ٣٨ ) أي ما يكون طلب بذل المال إلا لمصلحة الأمة، وأية مصلحة أعظم من دمغها العدّو عن نفسها لئلا يفسد فيها ويستعبدها.
وأما تفسير سؤال الأموال المنفي بطلب زكاة الأموال فصرف للآية عن مهيعها فإن الزكاة مفروضة قبل نزول هذه السورة لأن الزكاة فرضت سنة اثنتين من الهجرة على الأصح.
وجملة ) إنْ يسألكموها ( الخ تعليل لنفي سؤاله إياهم أموالهم، أي لأنه إن سألكم إعطاء جميع أموالكم وقد علم أن فيكم من يسمح بالمال لا تبْخلوا بالبذل وتجعلوا تكليفكم بذلك سبباً لإظهار ضغنكم على الذين لا يعطون فيَكثر الارتداد والنفاق وذلك يخالف مراد الله من تزكية نفوس الداخلين في الإيمان.
وهذا مراعاة لحال كثير يومئذٍ بالمدينة كانوا حديثي عهد بالإسلام وكانوا قد بذلوا من أموالهم للمهاجرين فيسَّر الله عليهم بأن لم يسألهم زيادة على ذلك، وكان بينهم كثير من أهل النفاق يترصدون الفرص لفتنتهم، قال تعالى :( هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفَضّوا ( ( المنافقون : ٧ ). وهذا يشير إليه عطف قوله :( ويُخرج أضغانكم ( أي تحدث فيكم أضغان فيكون سؤاله أموالكم سبباً في ظهورها فكأنه أظهرها. وهذه الآية أصل في سد ذريعة الفساد.
والإحفاء : الإكثار وبلوغ النهاية في الفعل، يقال : أحفاه في المسألة إذا لم يترك شيئاً من الإلحاح. وعن عبد الرحمن بن زيد : الإحفاء أن تأخذ كل شيء بيديك، وهو تفسير غريب. وعبر به هنا عن الجزم في الطلب وهو الإيجاب، أي فيوجب عليكم بذل المال ويجعل على منعه عقوبة.
والبخل : منع بذل المال.