" صفحة رقم ١٤ "
وسلك في الانتقال مسلك الإضراب دون أن يكون بالعطف بالواو لأن الاضراب يفيد أن الغرض الذي سينتقل إليه له مزيد اتصال بما قبله، وأن المعنى : دَعْ قولهم :( هذا سحر مبين ( ( الأحقاف : ٧ )، واستمع لما هو أعجب وهو قولهم :( افتَراه (، أي افترى نسبته إلى الله ولم يرد به السحر.
والاستفهام الذي يقدر بعد ) أم ( للإنكار على مقالتهم. والنفي الذي يقتضيه الاستفهام الانكاري يتسلط على سبب الانكار، أي كون القرآن مفترى وليس متسلطاً على نسبة القول إليهم لأنه صادر منهم وإنما المنفي الافتراء المزعوم.
والضمير المنصوب في ) افتراه ( عائد إلى الحق في قوله :( قال الذين كفروا للحق ( ( الأحقاف : ٧ )، أو إلى القرآن لعلمه من المقام، أي افترى القرآن فزعم أنه وحي من عند الله.
وقد أمِر الرسول ( ﷺ ) بجواب مقالتهم بما يقلعها من جذرها، فكان قوله تعالى :( قل ( جملة جارية مجرى جواب المقاولة لوقوعها في مقابلة حكاية قولهم. وقد تقدم ذلك في قوله :( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها في أوائل سورة البقرة.
وجعل الافتراء مفروضاً بحرف إن ( الذي شأنه أن يكون شرطه نادر الوقوع إشارة إلى أنه مفروض في مقام مشتمل على دلائل تقلع الشرط من أصله.
وانتصب ) شيئاً ( على المفعولية لفعل ) تملكون (، أي شيئاً يملك، أي يستطاع، والمراد : شيء من الدّفع فلا تقدرون على أن تردوا عني شيئاً يَرد علي من الله. وتقدم معنى ( لا أملك شيئاً ) عند قوله تعالى :( قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم في سورة العقود.
والتقدير : إن افتريته عاقبني الله معاقبة لا تملكون ردها. فقوله : فلا تملكون لي من الله شيئاً ( دليل على الجواب المقدر في الكلام بطريق الالتزام، لأن معنى ) لا تملكون لي ( لا تقدرون على دفع ضر الله عني، فاقتضى أن المعنى : إن افتريته عاقبني الله ولا تستطيعون دفع عقابه.
واعلم أن الشائع في استعمال ( لا أملك لك شيئاً ) ونحوه أن يسند فعل