" صفحة رقم ١٥ "
الملك إلى الذي هو مظنة للدفع عن مدخول اللام المتعلقة بفعل الملك كقوله تعالى :( قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً ( ( الأعراف : ١٨٨ ) وقوله ) وما أملك لك من الله من شيء ( ( الممتحنة : ٤ )، أو أن يسند إلى عامّ نحو ) قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم (، فإسناد فعل الملك في هذه الآية إلى المخاطبين وهم أعداء النبي ( ﷺ ) وليسوا بمظنة أن يدفعوا عنه، لأنهم نصبوا أنفسهم في منصب الحُكم على النبي ( ﷺ ) فجزموا بأنه افترى القرآن فحالهم حال من يزعم أنه يستطيع أن يرد مراد الله تعالى على طريقة التهكم. واعلم أن وجه الملازمة بين الشرط وجوابه في قوله :( إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئاً ( أن الله لا يقرّ أحداً على أن يبلِّغ إلى الناس شيئاً عن الله لَمْ يأمره بتبليغه، وقد دلّ القرآن على هذا في قوله تعالى :( ولو تَقَوَّلَ علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين ( ( الحاقة : ٤٤ ٤٧ ). ولعل حكمة ذلك أن التقول على الله يفضي إلى فساد عظيم يختل به نظام الخلق، والله يَغار على مخلوقاته وليس ذلك كغيره من المعاصي التي تجلبها المظالمُ والعبث في الأرض لأن ذلك إقدام على ما هو معلوم الفساد لا يخفى على الناس فهم يدفعونه بما يستطيعون من حول وقوة، أو حيلة ومصانعة. وأما التقول على الله فيوقع الناس في حيرة بماذَا يتلقَّوْنه فلذلك لا يُقره الله ويزيله.
وجملة ) هم أعلم بما تفيضون فيه ( بدل اشتمال من جملة ) فلا تملكون لي من الله شيئاً ( لأن جملة ) فلا تملكون لي ( تشتمل على معنى أن الله لا يرضى أن يفتري عليه أحد، وذلك يقتضي أنه أعلم منهم بحال من يُخير عن الله بأنه أرسله وما يبلغه عن الله. وذلك هو ما يخوضون فيه من الطعن والقدح والوصف بالسحر أو بالافتراء أو بالجنون، فمَا صْدَقُ ( ما ) الموصولة القرآن الذي دلّ عليه الضمير الظاهر في ) افتراه ( أو الرسول ( ﷺ ) الذي دل عليه الضمير المستتر في ) افتراه ( أو مجموع أحوال الرسول ( ﷺ ) التي دل عليها مختلف خوضهم. ومتعلق اسم التفضيل محذوف، أي هو أعلم منكم. والإفاضة في الحديث : الخوض فيه والإكثار منه وهي منقولة من : فاض الماء ؛ إذا سال. ومنه حديث مستفيض مشتهر شائع، والمعنى : هو أعلم بحال ما تفيضون فيه.


الصفحة التالية
Icon