" صفحة رقم ١٤٧ "
النفوس وتزكيتها بالإيمان وصالح الأعمال حتى ينتشر الخير بانتشار الدين ويصير الصلاح خُلقاً للناس يقتدي فيه بعضُهم ببعض وكل هذا إنما يناسب فتح مكة وهذا هو ما تضمنته سورة ) إذا جاء نصر الله ( من قوله :( إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ( ( النصر : ١ ٣ ) أي إنه حينئذٍ قد غفر لك أعظم مغفرة وهي المغفرة التي تليق بأعظممِ من تَابَ على تائب، وليست إلا مغفرة جميع الذنوب سابقها وما عسى أن يأتي منها مِما يعده النبيء ( ﷺ ) ذنباً لشدة الخشية من أقل التقصير كما يقال : حسنات الأبرار سيئات المقربين، وإن كان النبيء ( ﷺ ) معصوماً من أن يأتي بعدها بما يؤاخَذ عليه. وقال ابن عطية : وإنما المعنى التشريف بهذا الحكم ولو لم تكن له ذنوب، ولهذا المعنى اللَّطيف الجليل كانت سورة ) إذا جاء نصر الله ( مؤذنة باقتراب أجل النبيء ( ﷺ ) فيما فهم عمر بن الخطاب وابن عباس، وقد روي ذلك عن النبيء ( ﷺ )
والتقدم والتأخر من الأحوال النسبية للموجودات الحقيقية أو الاعتبارية يقال : تقدم السائر في سيره على الركب، ويقال : تقدم نزول سورة كذا على سورة كذا ولذلك يكثر الاحتياج إلى بيان ما كان بينهما تقدم وتأخر بذكر متعلق بفعل تقدم وتأخّر. وقد يترك ذلك اعتماداً على القرينة، وقد يقطع النظر على اعتبار متعلِّق فيُنزَّل الفعل منزلة الأفعال غير النسبية لقصد التعميم في المتعلقات وأكثر ذلك إذا جمع بين الفعلين كقوله هنا ) ما تقدم من ذنبك وما تأخر ( ( الفتح : ٢ ). والمراد ب ) ما تقدم ( : تعميم المغفرة للذنب كقوله :( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ( ( البقرة : ٢٥٥ )، فلا يقتضي ذلك أنه فرط منه ذنب أو أنه سيقع منه ذنب وإنما المقصود أنه تعالى رَفَعَ قَدره رفعَة عدم المؤاخذة بذنب لو قُدر صدوره منه وقد مضى شيء من بيان معنى الذنب عند قوله تعالى :( واستغفر لذنبك في سورة القتال.
وإنما أسند فعل ليغفر ( إلى اسم الجلالة العلَم وكان مقتضى الظاهر أن يسند إلى الضمير المستتر قصداً للتنويه بهذه المغفرة لأن الاسم الظاهر أنفذ في السمع وأجلب للتنبيه وذلك للاهتمام بالمسند وبمتعلقه لأن هذا الخبر أُنف لم يكن


الصفحة التالية
Icon