" صفحة رقم ١٥٨ "
وحيث كان الحصر تأكيداً على تأكيد، كما قال صاحب ( المفتاح ) :( لم أجعل ( إنّ ) التي في مفتتح الجملة للتأكيد لِحصول التأكيد بغيرها فجعلتها للاهتمام بهذا الخبر ليحصل بذلك غرضان ).
وانتقل من هذا الادعاء إلى تخيل أن الله تعالى يبايعه المبايعون فأثبتت له اليد التي هي من روادف المبايَع بالفتح على وجه التخييلية مثل إثبات الأظفار للمنية.
وقد هيأت صيغة المبايعة لأن تذكر بعدها الأيدي لأن المبايعة يقارنها وضع المبايع يده في يد المبايَع بالفتح كما قال كعب بن زهير :
حتى وضعتُ يميني لا أُنازعه
في كَفِّ ذي يَسرات قِيلُه القِيل
ومما زاد هذا التخييل حسناً ما فيه من المشاكلة بين يد الله وأيديهم كما قال في ( المفتاح ) : والمشاكلة من المحسنات البديعية والله منزّه عن اليد وسمات المحدثات.
فجملة ) يد الله فوق أيديهم ( مقررة لمضمون جملة ) إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ( المفيدة أن بيعتهم النبي ( ﷺ ) في الظاهر، هي بيعة منهم لله في الواقع فقررته جملة ) يد الله فوق أيديهم ( وأكدته ولذلك جردت عن حرف العطف. وجعلت اليد المتخيلة فوق أيديهم : إمّا لأن إضافتها إلى الله تقتضي تشريفها بالرفعة على أيدي الناس كما وصفت في المعطي بالعليا في قول النبي ( ﷺ ) ( اليدُ العليا خيرٌ من اليد السفلى واليد العليا هي المعطية واليد السفلى هي الآخذة )، وإما لأن المبايعة كانت بأن يمد المبايع كفه أمام المبايَع بالفتح ويضع هذا المبايَع يده على يد المبايع، فالوصف بالفوقية من تمام التخييلية. ويشهد لهذا ما في ( صحيح مسلم ) أن رسول الله ( ﷺ ) لما بايعه الناس كان عُمر آخذاً بيد رسول الله ( ﷺ ) أي كان عمر يضع يد رسول الله ( ﷺ ) في أيدي الناس كيلاً يتعب بتحريكها لكثرة المبايعين فدلّ على أن يد رسول الله ( ﷺ ) كانت توضع على يد المبايعين. وأيًّا مَّا كان فذكر الفوقية هنا ترشيح للاستعارة وإغراق في التخيل.
والمبايعة أصلها مشتقة من البيع فهي مفاعلة لأن كلا المتعاقدين بائع، ونقلت


الصفحة التالية
Icon