" صفحة رقم ١٨٤ "
يكفّهم عنكم ولا كفكم عنهم إلا الله تعالى، لا أنتم ولا هم فإنهم كانوا يريدون الشر بكم وأنتم حين أحطتم بهم كنتم تريدون قتلهم أو أسرهم فإن دواعي امتداد أيديهم إليكم وامتداد أيديكم إليهم متوفرة فلولا أن الله قدّر موانع لهم ولكم لاشتبكتم في القتال، فكفَّ أيديهم عنكم بأن نبهكم إليهم قبل أن يفاجئوكم وكف أيديكم عنهم حين أمر رسوله ( ﷺ ) بأن يعفو عنهم ويطلقهم.
وتقدم الكلام على معنى ) كف ( في قوله آنفاً ) وكف أيديَ الناس عنكم ). والمعنى : أنه لم يترك أحد من الفريقين الاعتداء على الفريق الآخر من تلقاء نفسه ولكن ذلك كان بأسباب أوجدها الله تعالى لإرادته عدم القتال بينهم، وهي منّة ثانية مثل المنة المذكورة في قوله :( وكف أيدي الناس عنكم.
وهذه الآية أشارت إلى كف عن القتال يسّره الله رفقاً بالمسلمين وإبقاء على قوتهم في وقت حاجتهم إلى ذلك بعد وقعة بدر ووقعة أحد، واتفق المفسرون الأولون على أن هذا الكف وقع في الحديبية. وهذا يشير إلى ما روي من طرق مختلفة وبعضها في سنن الترمذي وقال : هو حديث صحيح، وفي بعضها زيَادة على بعض أن جمعاً من المشركين يُقدر بستة أو باثني عشر أو بثلاثين أو سبعين أو ثمانين مسلحين نزلوا إلى الحديبية يريدون أن يأخذوا المسلمين على غرة ففطن لهم المسلمون فأخذوهم دون حرب النبي بإطلاقهم وكان ذلك أيام كان السفراء يمشون بين النبي وبين أهل مكة ولعل النبي أطلقهم تجنباً لما يعكر صفو الصلح.
وضمائر الغيبة راجعة للذين كفروا في قوله : ولو قاتلكم الذين كفروا ( ( الفتح : ٢٢ ) ووجه عوده إليه مع أن الذين كف الله أيديهم فريق غير الفريق الذي في قوله :( ولو قاتلكم الذين كفروا ( هو أن عرف كلام العرب جار على أن ما يصدر من بعض القوم ينسب إلى القوم بدون تمييز كما تقدم في سورة البقرة في قوله :( وإذ أخذنا ميثاقكم.
وقوله : ببطن مكة ( ظاهر كلام الأساس : أن حقيقة البطن جوف الإنسان والحيوان وأن استعماله في معاني المنخفض من الشيء أو المتوسط مجاز، قال


الصفحة التالية
Icon