" صفحة رقم ١٨٥ "
الراغب : ويقال للجهة السفلى بطن، وللعليا ظهر. ويقال : بطن الوادي لوسطه. والمعروف من إطلاق لفظ البطن إذا أضيف إلى المكان أن يراد به وسط المكان كما في قول كعب بن زهير :
في فتية من قريش قال قائلهم
ببطن مكةَ لما أسلموا زُولوا
أي في وسط البلد الحرام فإن قائل : زولوا، هو عمر بن الخطاب أو حمزة بن عبد المطلب، غير أن محمل ذلك في هذه الآية غير بيّن لأنه لا يعرف وقوع اختلاط بين المسلمين والمشركين في وسط مكة يفضي إلى القتال حتى يُمتنّ عليهم بكف أيدي بعضهم عن بعض وكل ما وقع مما قد يفضي إلى القتال فإنما وقع في الحديبيّة. فجمهور المفسّرين حَملوا بطن مكة في الآية على الحديبيّة من إطلاق البطن على أسفل المكان، والحديبيّة قريبة من مكة وهي من الحِل وبعض أرضها من الحرم وهي على الطريق بين مكة وجدة وهي إلى مكة أقرب وتعرف اليوم باسم الشميسي، وجعلوا الآية تشير إلى القصة المذكورة في ( جامع الترمذي ) وغيره بروايات مختلفة وهي ما قدمناه آنفاً. ومنهم من زاد في تلك القصّة : أن جيش المسلمين اتبعوا العدوّ إلى أن دخلوا بيوت مكة وقتلوا منهم وأسروا فيكون بطن مكة محمولاً على مشهور استعماله، وهذا خبر مضطرب ومناف لظاهر قوله :( كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ). ومنهم من أبعد المحمل فجعل الآية نازلة في فتح مكة وهذا لا يناسب سياق السورة ويخالف كلام السلف من المفسّرين وهم أعلم بالمقصود، هذا كلّه بناء على أن الباء في قوله :( ببطن مكة ( متعلقة بفعل ) كف (، أي كان الكف في بطن مكة.
ويجوز عندي أن يكون ) ببطن مكة ( ظرفاً مستقِرّاً هو حال من ضميري ) عنكم ( و ) عنهم ( وهو حال مقدرة، أي لو كنتم ببطن مكة، أي لو لم يقع الصلح فدخلتم محاربين كما رغب المسلمون الذين كرهوا الصلح كما تقدم فيكون إطلاق ) بطن مكة ( جارياً على الاستعمال الشائع، أي في وسط مدينة مكة.


الصفحة التالية
Icon