" صفحة رقم ١٩١ "
والمعرة : مصدر ميمي من عَرّه، إذا دهاه، أي أصابه بما يكرهه ويشق عليه من ضر أو غرم أو سوء قالة، فهي هنا تجمع ما يلحقهم إذا ألحقوا أضراراً بالمسلمين من دِيَاتتِ قتْلَى، وغُرم أضرار، ومن إثم يلحق القاتلين إذا لم يتثبَّتوا فيمن يقتلونه، ومن سوء قالة يقولها المشركون ويشيعونها في القبائل أن محمداً ( ﷺ ) وأصحابه لم ينج أهل دينهم من ضرهم لِيُكَرِّهُوا العرب في الإسلام وأهله.
والباء في ) بغير علم ( للملابسة، أي ملابسين لانتفاء العلم. والمجرور بها متعلق ب ) تصيبكم (، أي فتلحقكم من جرّائهم مَكاره لا تعلمونها حتى تَقعوا فيها. وهذا نفي علم آخر غير العلم المنفي في قوله :( لم تعلموهم ( لأن العلم المنفي في قوله :( لم تعلموهم ( هو العلم بأنهم مؤمنون بالذي انتفاؤه سبب إهلاك غير المعلومين الذي تسبب عليه لحاق المعرة. والعلم المنفي ثانياً في قوله :( بغير علم ( هو العلم بلحاق المعرة من وطأتهم التابع لعدم العلم بإيمان القوم المهلَكين وهو العلم الذي انتفاؤه يكون سبباً في الإقدام على إهلاكهم.
واللام في قوله :( ليدخل اللَّه في رحمته من يشاء ( للتعليل والمعلل واقع لا مفروض، فهو وجود شرط ) لولا ( الذي تسبب عليه امتناع جوابها فالمعلل هو ربط الجواب بالشرط، أي لولا وجود رجال مؤمنين ونساء مؤمنات لعذبنا الذين كفروا وأن هذا الربط لأجل رحمة الله من يشاء من عباده إذ رحم بهذا الامتناع جيش المسلمين بأن سلمهم من معرة تلحقهم وأن أبقى لهم قوتهم في النفوس والعدة إلى أمد معلوم، ورحم المؤمنين والمؤمنات بنجاتهم من الإهلاك، ورحم المشركين بأن استبقاهم لعلهم يسلمون أو يسلم أكثرهم كما حصل بعد فتح مكة، ورحم من أسلموا منهم بعد ذلك بثواب الآخرة، فالرحمة هنا شاملة لرحمة الدنيا ورحمة الآخرة.
و ) من يشاء ( يعمّ كل من أراد الله من هذه الحالة رحمته في الدنيا والآخرة أو فيهما معاً. وعبر ب ) من يشاء ( لما فيه من شمول أصناف كثيرة ولما فيه من الإيجاز ولما فيه من الإشارة إلى الحكمة التي اقتضت مشيئة الله رحمة أولئك.


الصفحة التالية
Icon