" صفحة رقم ٢١ "
الشعبي مثلَه. ويجوز أن تكون الآية نزلت بالمدينة وأمر بوضعها في سورة الأحقاف، وعلى هذا يكون الخطاب في قوله :( أرأيتم ( وما بعده لأهل الكتاب بالمدينة وما حولها. وعندي أنه يجوز أن يكون هذا إخباراً من الله لرسوله ( ﷺ ) بما سيقع من إيمان عبد الله بن سَلام فيكون هو المراد ب ) شاهد من بني إسرائيل ( وإن كانت الآية مكية.
والظاهر أن مثل هذه الآية هو الذي جرّأ المشركين على إنكار نزول الوحي على موسى وغيره من الرسل فقالوا :( لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ( ( سبأ : ٣١ ) وقالوا :( ما أنزل الله على بشر من شيء ( ( الأنعام : ٩١ ) حين علموا أن قد لزمتهم الحجة بنزول ما سلف من الكتب قبل القرآن.
وجملة ) إن الله لا يهدي القوم الظالمين ( تعليل للكلام المحذوف الدال عليه ما قبله ما علمته آنفاً، أي ضللتم ضلالاً لا يرجى له زوال لأنكم ظالمون والله لا يهدي القوم الظالمين. وهذا تسجيل عليهم بظلمهم أنفسهم. وجيء في الشرط بحرف ) إن ( الذي شأنه أن يكون في الشرط غير المجزوم بوقوعه مجاراة لحال المخاطبين استنزالاً لطائر جماحهم لينزلوا للتأمل والمحاورة.
هذا حكاية خطأ آخر من أخطاء حجج المشركين الباطلة وهو خطأ منشؤه الإعجاب بأنفسهم وغرورهم بدينهم فاستدلوا على أن لا خير في الإسلام بأن الذين ابتدروا الأخذ به ضعفاء القوم وهم يعدونهم منحطين عنهم، فهم الذين قالوا ) أهؤلاء مَنَّ الله عليهم من بيننا كما تقدم في الأنعام، وهو نظير قول قوم نوح وما نراك اتبعك إلا الذين هم أرَاذِلُنا بادي الرأي ( ( هود ٢٧ )، ومناسبته لما قبله أنه من آثار استكبارهم فناسب قوله :( واستكبرتم ( ( الأحقاف : ١٠ ).
واللام في قوله :( للذين آمنوا ( لام التعليل متعلقة بمحذوف، هو حال من الذين كفروا تقديره : مخصصين أو مريدين كاللام في قوله تعالى :( وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غُزَّى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ( ( آل عمران : ١٥٦ )، وقوله في الآية


الصفحة التالية
Icon