" صفحة رقم ٢١٦ "
ويقال : قدَّم بمعنى تَقدم كأنه قدّم نفسه، فهو مضاعف صار غير متعد. فمعنى ) لا تقدموا ( لا تتقدموا.
ففعل ) لا تقدموا ( مضارع قَدَّم القاصر بمعنى تقدم على غيره وليس لهذا الفعل مفعول، ومنه اشتقت مقدمة الجيش للجماعة المتقدمة منه وهي ضد الساقة. ومنه سميت مقدمةَ الكتاب الطائفةُ منه المتقدمة على الكتاب. ومادة فَعَّل تجيء بمعنى تفعّل مثل وجّه بمعنى توجّه وبَيَّن بمعنى تبيّن، ومن أمثالهم بَيّن الصبح لذي عينين.
والتركيب تمثيل بتشبيه حال من يفعل فعلاً دون إذن مِن الله ورسوله ( ﷺ ) بحال من يتقدم مُماشِيَه في مَشيه ويتركه خلفه. ووجه الشبه الانفراد عنه في الطريق. والنهي هنا للتحذير إذ لم يسبق صدور فعل من أحد افتياتا على الشرع.
ويستروح من هذا أن هذا التقدم المنهي عنه هو ما كان في حالة إمكان الترقب والتمكن من انتظار ما يبرمه الرسول ( ﷺ ) بأمر الله فيومىء إلى أن إبرام الأمر في غيبة الرسول ( ﷺ ) لا حرج فيه.
وهذه الآية تؤيد قول الفقهاء : إن المكلف لا يقدِم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه. وعدّ الغزالي العلمَ بحكم ما يُقدم عليه المكلف من قسم العلوم التي هي فرض على الأعيان الذين تعرض لهم. والمقصود من الآية النهي عن إبرام شيء دون إذن من رسول الله ( ﷺ ) فذكر قبله اسم الله للتنبيه على أن مراد الله إنما يعرف من قبل الرسول ( ﷺ ) وقد حصل من قوله :( لا تقدموا ( الخ معنى اتبعوا الله ورسوله.
وسبب نزول هذه الآية ما رواه البخاري في ( صحيحه ) في قصة وفد بني تميم بسنده إلى ابن الزبير قال ( قدم ركب من بني تميم على النبي ( ﷺ ) فقال أبو بكر : أمَّرْ عليهم القعقاع بن معبد بن زُرارة. وقال عُمر : بل أمِّر الأقرعَ بن حابس. قال أبو بكر : ما أردت إلاّ خلافي أو إلَى خلافي قال عمر : ما أردت