" صفحة رقم ٢١٧ "
خِلافك أو إلى خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما في ذلك فنزل ) يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ( ( الحجرات : ١، ٢ ).
فهذه الآية توطئة للنهي عن رفع الأصوات عند رسول الله ( ﷺ ) والجهرِ له بالقول وندائه من وراء الحجرات. وعن الضحاك عن ابن عباس أنها نزلت بسبب بَعث رسول الله ( ﷺ ) سَرية فقتلتْ بنُو عامر رجالَ السرية إلا ثلاثة نَفرٍ نَجَوا فلقُوا رجلين من بين سُليم فسألوهما عن نسبتهما فاعتزيا إلى بني عامر ظنّاً منهما أن هذا الاعتزاء أنجى لهما من شر توقعاه لأن بني عامر أعزُّ من بني سليم، فقتلوا النفر الثلاثة وسلبوهما ثم أتوا رسول الله ( ﷺ ) فأخبروه فقال :( بئسما صنعتم كانَا من بني سليم، والسلَب ما كَسَوْتُهما ) أي عرف ذلك لما رأى السلب فعَرَفه بأنه كساهما إياه وكانت تلك الكسوة علامة على الإسلام لئلا يتعرض لهم المسلمون فوادهما رسول الله ( ﷺ ) ونزلت ) يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا ( الآية، أي لا تعملوا شيئاً من تلقاء أنفسكم في التصرف من الأمة إلا بعد أن تستأمروا رسول الله ( ﷺ ) وعلى هذه الرواية تكون القصة جرت قبيل قصة بني تميم فقرنت آيتاهما في النزول. وهنالك روايات أخرى في سبب نزولها لا تناسب موقع الآية مع الآيات المتصلة بها. وأيَّا مَّا كان سبب نزولها فهي عامة في النهي عن جميع أحوال التقدم المراد.
وجعلت هذه الآية في صدر السورة مقدَّمة على توبيخ وفد بني تميم حين نادوا النبي ( ﷺ ) من وراء الحجرات لأن ما صدر من بني تميم هو من قبيل رفع الصوت عند النبي ( ﷺ ) ولأن مماراة أبي بكر وعمرَ وارتفاع أصواتهما كانت في قضية بني تميم فكانت هذه الآية تمهيداً لقوله :( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي الآية، لأن من خصه الله بهذه الحظوة، أي جعل إبرام العمل بدون أمره كإبرامه بدون أمر الله حقيق بالتهيب والإجلال أن يخفض الصوت لديه.